الزّجاج والحصا لَهما طعم ورائحة وَأَن الْخمر لَا يسكر وَأَن هَهُنَا أحوالاً لَا مَعْدُومَة وَلَا مَوْجُودَة وَلَا هِيَ حق وَلَا هِيَ بَاطِل وَلَا هِيَ مخلوقة وَلَا غير مخلوقة وَلَا هِيَ مَعْلُومَة وَلَا مَجْهُولَة وَهَذَا كُله مَعْلُوم كذبه وبطلانه بالحواس وبأول الْعقل وضرورته وتخليط لَا يفهمهُ أحد وَلَا يتشكل فِي وهم أحد وَلَوْلَا أننا شاهدنا أَكثر من ذكرنَا لما صدقنا أَن من لَهُ مسكة عقل ينْطَلق لِسَانه بِهَذَا الْجُنُون وكتهالك طوائف على أَن اسْمَيْنِ يقعان على مسميين كل وَاحِد من ذَيْنك المسميين لَا هُوَ الآخر وَلَا هُوَ غَيره وكالسوفسطائية الْمُنكرَة للحقائق وَأما الْحساب فقد اخْتلف لَهُ فِي أَشْيَاء من التَّعْدِيل وَمن قطع الْكَوَاكِب وَهل الْحَرَكَة لَهَا أَو لأفلاكها وَأما الَّذِي لَا يَخْلُو وَقت من وجوده فخطأ كثير من أهل الْحساب فِي جمع الْأَعْدَاد الْكَثِيرَة حَتَّى يَخْتَلِفُوا اخْتِلَافا ظَاهرا حَتَّى إِذا حقق النّظر يظْهر الْحق من الْبَاطِل وَهَذَا نفس مَا يعرض فِي كل مَا يدْرك بالحواس فَظهر بطلَان تمويههم وتشبيههم جملَة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصَحَّ مَا أنكروه من أَن كثيرا من النَّاس يغيبون عَن اعْتِقَاد مَا شهِدت لَهُ الْحَواس وَيُنْكِرُونَ أَوَائِل الْعُقُول ويكابرون الضرورات أما أَنهم كسلوا عَن طلب الْبُرْهَان وَقَطعُوا بظنونهم وَأما لأَنهم زلوا عَن طَرِيق الْبُرْهَان وظنوا أَنهم عَلَيْهِ وَأما لأَنهم ألفوا مَا مَالَتْ إِلَيْهِ أهوائهم لِأَلف شَيْء ونفار عَن آخر وَأما قَوْلهم وللاح الْحق على مُرُور الْأَزْمَان وَكَثْرَة الْبَحْث وَطول المناظرات فَيُقَال لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق نعم قد لَاحَ الْحق وَبَان ظن الْبَاطِل وَإِن كَانَ كل طَائِفَة تدعيه فَإِن من نظر على الطَّرِيق الَّتِي وَصفنَا صَحَّ عِنْده المحق الْمُدَّعِي من الْمُبْطل وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَأما قَوْلهم وَمن الْمحَال أَن يَبْدُو الْحق إِلَى النَّاس فيعاندوه بِلَا معنى ويرضوا بِالْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِلَا معنى فَقَوْل فَاسد لأَنا قد رأيناهم أَتَوا أَشْيَاء بدا الْحق فِيهَا إِلَى النَّاس فعانده كثير مِنْهُم وبذلوا مهجهم فِيهِ وَكَأَنَّهُم مَا شاهدوا الْأَمر الَّذِي مَلأ الأَرْض من المقاتلين الَّذين يعْرفُونَ بقلوبهم ويقرون بألسنتهم أَنهم على بَاطِل يقتتلون ويعترفون بِأَنَّهُم بلغُوا مهجهم ودماءهم وَأَمْوَالهمْ وأديانهم ويموتون أَوْلَادهم ويرملون نِسَاءَهُمْ فِي قتال عَن سُلْطَان غَائِب عَن ذَلِك الْقِتَال لَا يرجون زِيَادَة دِرْهَم وَلَا يخَاف كل امْرِئ مِنْهُم فِي ذَاته تقصيراً بِهِ لَو لم يُقَاتل أَو لم يرو كثيرا من النَّاس يَأْكُلُون أَشْيَاء يوقنون بِأَنَّهُم يستضرون بهَا ويكثرون شرب الْخمر وهم يقرونَ أَنَّهَا قد آذتهم وأفسدت أمزجتهم وَأَنَّهَا تؤديهم إِلَى التلاف وهم يقرونَ مَعَ ذَلِك أَنهم عاصون لله تَعَالَى وَكم رَأينَا من الموقنين بخلود العَاصِي فِي النَّار الْمُحَقِّقين لذَلِك يقر على نَفسه أَنه يفعل مَا يخلد بِهِ فِي النَّار فَإِن قَالُوا أَن هَؤُلَاءِ يستلذون مَا يَفْعَلُونَ من ذَلِك قُلْنَا لَهُم أَن استلذاذ من يدين بِشَيْء مَا يبصره لما يدين بِهِ وتعصبه لَهُ أَشد من استلذاذ الْأكل وَالشرب لما يدْرِي أَنه يبلغهُ من ذَلِك ثمَّ نقُول لَهُم أخبرونا عَن قَوْلكُم هَذَا أَنه لَيْسَ هَهُنَا قَول سطعت حجَّته وَلَو كَانَ لما اخْتلف النَّاس فِيهِ أَحَق وَهِي هَذِه الْقَضِيَّة الَّتِي قطعْتُمْ بهَا وَهل قَوْلك هَذَا ظَاهر الْحجَّة مُتَيَقن الْحَقِيقَة أم لَا فَإِن قَالُوا لَا أقرُّوا بِأَن قَوْلهم لم تصح حجَّته وَلَا لَاحَ برهانا وَأَنه لَيْسَ حَقًا مَا قَالُوهُ وَإِن قَالُوا بل هُوَ حق قد لاحت حجَّته قُلْنَا لَهُم كَيفَ خولفتم فِي شَيْء لاحت حجَّته حَتَّى صَار أَكثر أهل الأَرْض يعمون عَمَّا لَا شكّ فِيهِ عنْدكُمْ وَعَن مَا لَاحَ الْحق فِيهِ حَتَّى اعتقدوا فِيكُم الضلال وَالْكفْر وَإِبَاحَة الدَّم وَهَذَا هُوَ نفس مَا أَنْكَرُوا قد صَرَّحُوا أَنه حق وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَأما احتجاجهم بانتقال من ينْتَقل من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب وتهالكه فِي إثْبَاته ثمَّ تهالكه فِي إِبْطَاله ورومهم أَن يفسدوا بِهَذَا جَمِيع الْبَرَاهِين فَلَيْسَ كَمَا ظنُّوا لِأَن كل متنقل من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب فَلَا يَخْلُو ضَرُورَة من أحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا أَن يكون انْتقل من خطأ إِلَى خطأ أَو من خطأ إِلَى صَوَاب أَو من صَوَاب إِلَى خطأ وَأي ذَلِك كَانَ فَإِنَّمَا أَتَى فِي الانتقالين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute