للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد ألف أكثر من كتاب عن القرآن والحديث يرد فيه على بعض انحرافات الفلاسفة وعلماء الكلام.

ومن الأمور التي تدعو إلى الإعجاب أن ابن قتيبة -على كثرة ما ألف ونفاسة ما كتب- لم يكن متفرغًا للكتابة والتأليف كل الوقت، بل إنه اشتغل بالقضاء فترة من حياته في مدينة دينور وهو من أجل ذلك قد لصق به لقب الدينوري.

لقد كان ابن قتيبة دائرة معارف بشخصه تمامًا كما كان الجاحظ الذي لا نستبعد أن يكون رآه، إذ إنه في السنة التي توفي فيها الجاحظ كان ابن قتيبة يناهز الأربعين عامًا. ومعنى ذلك أنه كان يقرأ للجاحظ وإن اختلف معه في جوهر التفكير الديني، ولكنهما من حيث طرق أبواب المعرفة والتأليف فيها نجد لكل منهما أثرًا علميًّا في الموضوع الواحد، فكلاهما كتب عن القرآن والقراءات وعن الحديث، وإن اختلف مفهوم كل منهما عن الآخر. وكلاهما ألف في الأدب والنقد والحيوان، وإن كان ابن قتيبة مال إلى التخصص فألف في الخيل وحدها دون بقية أنواع الحيوان. وكلاهما كتب أيضًا عن النبوة. وكلاهما أيضًا كتب عن النبات فلابن قتيبة كتاب بهذا الاسم، وللجاحظ كتاب باسم: النخل والزرع.

هذا وربما وجدنا لابن قتيبة كتبًا لم يطرق الجاحظ أبوابها مثل كتاب الأشربة أو كتاب الأنواء والجراثيم وحكم الأمثال والتقفية وغير ذلك.

على أننا لا نطلب من كل من العالمين الجليلين أن يكون كل واحد منهما في عناوين كتبه وموضوعاتها صورة من صاحبه، فإن واحدًا منهما والحال كذلك سوف يكون مقلدًا وسوف يكون الآخر أصيلًا. إلا أن واقع الحال هو أنه كان لكل من الجاحظ وابن قتيبة فكره المستقل الأصلي وموضوعاته التي تخصص فيها وقدم فيها الجديد من أسباب العلم والبكر من موضوعات المعرفة مع اختلاف شديد بين الطبيعتين والمذهبين.

وإذا كان ابن قتيبة يحاول في بعض كتبه أن يعمد إلى الإطراف والإضحاك فإنه لا يستطيع أن يصل في ذلك إلى ما وصل إليه الجاحظ؛ لأن الجاحظ فكه ساخر بطبعه أو بتعبير أستاذنا المرحوم الدكتور أحمد أمين في ضحى الإسلام: الجاحظ مزاح خفيف الروح مهذار واسع العقل متصرف، وابن قتيبة صاحب جد، قاضٍ، عليه وقار القضاء، يمزح أحيانًا ولكن ليس له خفة روح الجاحظ١.

هذا وإذا كنا قد ذكرنا للجاحظ كتابًا أو أكثر للتسوية بين العرب والعجم فإن ابن قتيبة مع كونه غير عربي يكتب كتابين في التحمس للعرب والدفاع عنهم وإثبات فضلهم، الأول


١ ضحى الإسلام "١/ ٤٠٢".

<<  <   >  >>