كان ابن طيفور قد أعد نفسه لميدان المعرفة التي أصبح واحدًا من فرسانها، فاتبع الطريق نفسه الذي سار عليه أعلام زمانه؛ وذلك بالتوفر على التحصيل والتتلمذ على الأعلام والسماع منهم، فحدث عن عمر بن شبة، وأحمد بن الهيثم السامي، وعبد الله بن سعيد الوراق وغيرهم من علماء الزمان، وكان ابن طيفور ينعت المبرد بالكذب، وقد مر بيتاه اللذان قالهما في هذا الغرض:
كملت في المبرد الآداب ... واستقلت في عقله الألباب
غير أن الفتى كما زعم النا ... س دعي مصحف كذاب
والذي يتهم الناس بالكذب، خاصة إذا كانوا من الصفوة الثقات الأعلام لا يسلم بدوره من أن يجد من يخلع عليه الصفات نفسها، فقد وصفه جعفر بن أحمد في كتابه "الباهر" حسبما نقل عنه ياقوت أنه مؤدب كتَّاب، وأنه عامي ثم تخصص وجلس في سوق الوراقين. ثم يستطرد جعفر بن أحمد قائلًا١: ولم أر من شهر بمثل ما شهر به من التصنيف للكتب وقول الشعر أكثر تصحيفًا منه، ولا أبلد علمًا، ولا ألحن ... وكان أسرق الناس لنصف بيت وثلث بيت.
وإن طابع المبالغة يغلب على رواية صاحب "الباهر" إذ إن ابن طيفور صاحب فضل وافر وعلم غزير وإنتاج نفيس، وهو في الوقت نفسه ليس بنجوة من أن يهفو هفوات العلماء، أو أن يكبو كبوات الجياد، تمامًا كما هفا المبرد، ولكن ذلك لم ينل من قدره أو يحط من شأنه.
وأحمد بن أبي طاهر طيفور يعد من الأدباء الظرفاء، فهو صاحب طرف وملح، بعضها صدرت عنه عملًا، والبعض الآخر صدر عنه قولًا، وبعضها كان يقرن فيه الفعل بالقول، فمن طرقه التي تصل إلى حد الحماقة أنه وصديقه أبا دهقان وقعا في عسر مالي شديد وبحثا عن طريقة يحصلان بها على مال، فاتفقا على أن يتظاهر ابن طيفور بالموت وسجي في فراشه وفي الوقت نفسه ذهب أبو دهقان إلى المعلى بن أيوب، أحد قواد المأمون، ليعلمه بموت صديقه ويحصل منه على ثمن الكفن، ورغم أن الحيلة انكشفت إلا أنهما حصلا على جملة من الدنانير أقالت عسرهما.
وابن طيفور شاعر على ما مر بنا، وأكثر شعره مقترن بحادثة طريفة أو نكتة فكهة، فقد مدح الحسن بن مخلد وزير المعتمد، فأمر له بمائة دينار وأمره أن يذهب إلى "رجاء" الخادم