للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لحاهم. لقد كانوا -والحال كذلك- على قدر كبير من البراعة في تقديم ما لديهم من مواعظ ربما استعملوا معها شيئًا من الحركات التمثيلية.

وإذا كان تميم الداري هو أول قاص في الإسلام على ما مر بنا، فإن أشهر قاصين هما: وهب بن منبه وكعب الأحبار. ووهب وكعب يعتبران في الوقت نفسه أشهر منبعين للقصص الديني.

فأما وهب بن منبه فهو يمني من أبناء الفرس الذين زود بهم كسرى سيف بن ذي يزن حتى يسترد ملكه من نجاشي الحبشة الذي كان قد استولى على اليمن واحتلها. فاستنجد سيف بكسرى، الذي أمده ببضعة آلاف من الجنود استردوا له عرشه، وظل عدد كبير من هؤلاء الجنود يقيم في اليمن.. فكان وهب واحدًا من سلالة هؤلاء الفرس.

ويذكر ابن قتيبة أنه رأى لوهب كتابًا ترجم فيه للملوك المتوجين من حمير وأخبارهم وقصصهم وقبورهم وأشعارهم.

وكان وهب قبل إسلامه من أهل الكتاب، وكان يقول: سمعت اثنين وتسعين كتابًا كلها أنزلت من السماء، اثنان وسبعون منها في الكنائس وعشرون في أيدي الناس لا يعلمها إلا قليل، وقد نسب إليه صاحب كشف الظنون كتابين هما قصص الأنبياء وقصص الأخبار.

ولقد كان وهب واسع الثقافة الدينية من إسلامية وكتابية، وقد ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء صنعاء الذي ولد ومات فيها سنة ١١٤هـ وقيل سنة١٢٠ بعد أن عمر تسعين سنة١.

وأما كعب الأحبار واسمه الحقيقي كعب بن ماتع فأصله من اليمن أيضًا وكان يهوديًّا وأسلم في خلافة أبي بكر، وكان كعب الأحبار كثير التنقل، ويعتبر هذا الرجل المعين الأول للإسرائيليات التي تفشت في كثير من الكتب الإسلامية. ولقد تأثر به كل من ابن عباس وأبي هريرة، ويبدو أن كعب الأحبار هذا كان من اللباقة وسرعة البديهة وغزارة المعلومات بحيث استطاع أن يخلب لب غير قليل من أعلام المسلمين الأولين. هذا فضلًا عن جرأة غريبة كانت فيه، فابن سعد يقول إن كعب الأحبار كان يجلس في المسجد وأمامه أسفار التوراة يقرؤها غير متحرج من ذلك٢.

وقد روي أن كعب الأحبار قال لعمر بن الخطاب: إنك ميت بعد ثلاثة أيام، فيقول له عمر: وما أدراك؟ فيقول: أجده في كتاب الله عز وجل التوراة. فيقول عمر في شيء من


١ راجع المعارف "٢٠٢" وطبقات ابن سعد "٥/ ٣٩٥" والذهبي "٥/ ١٤-١٦".
٢ الطبقات "٧/ ٩٧".

<<  <   >  >>