للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على من هو أجدى عليك في بعيرك منا؟ قلت: بلى. قالت: الله فادعه دعاء واثق لا مختبر. قال: فشغلتني والله بقولها عن وجهها. فقلت: يا هذه أذات بعل أنت؟ قالت: كان فمات يرحمه الله. فقلت: هل لك في بعل لا يعصيك؟ فأكبت على الأرض طويلًا ثم رفعت رأسها، فقالت:

كنا كغصنين في أرض غذاؤهما ... ماء الجداول في روضات جنات

فاجتث خيرهما من أصل صاحبه ... دهر يكر بأحزان وترحات

وكان عاهدني إن خانني زمن ... أن لا يواصل أنثى بعد مثواتي

وكنت عاهدته أيضًا فشط به ... ريب المنون لمقدار وميقات

فاصرف عنانك عمن ليس يصرفه ... عن الوفاء خلابات التحيات

إن كتاب المنثور والمنظوم -الذي فقدنا منه اثنى عشر مجلدًا- يعتبر في ضوء القليل الذي وصل إلينا منه من أنفس ما ألف في الأدب العربي منهجًا وموضوعًا ونصوصًا وأخبارًا.

إنه بالجاحظ وابن قتيبة وأبي حنيفة الدينوري وأبي العباس المبرد وأبي العباس ثعلب وأحمد بن طيفور وأبي زيد أحمد بن سهل البلخي وغيرهم من صفوة العلماء الذين عاشوا في النصف الثاني من القرن الثاني وطوال القرنين الثالث والرابع -الذين سوف نعرض لهم بالحديث بعد قليل- تكون أعمدة المكتبة العربية قد أرسيت على أساس ثابت، وتكون أركانها قد تأصلت، ويكون التأليف الذي يتصف بتعدد الموضوعات وشمولها لمؤلف واحد قد وصل إلى أقصى ما يمكن أن يصل العقل البشري إليه في مثل تلك الحقبة القصيرة من الزمان.

وإن المرء ليصاب بالدهشة الحقيقية حين يراقب هذه الظاهرة الغريبة في أمة لم تعرف القراءة، وإذ بها في أقل من ثلاثة قرون تصبح سيدة أمم زمانها علمًا ومعرفة وثقافة وتأليفًا وعدد علماء ووفرة مؤلفات.

ونعود لكي نسائل أنفسنا مرة أخرى، هل كان للمكتبة العربية مراحل ميلاد وطفولة ويفاع حتى وصلت إلى مرحلة الشباب التي غمرت من خلالها بألوان العلوم وفروع المعرفة العديدة الأصيلة، ثم لا نلبث أن نحار في الإجابة، فإننا لا نكاد نلمس للمكتبة العربية مرحلة

<<  <   >  >>