للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكثرة أو الوفرة بمكان. فأكثر الذين يشتغلون بالعلم والتعليم ويتفرغون للثقافة حصادًا وتأليفًا قلما يجدون من وقتهم ما يسمح لهم بالإكثار من قول الشعر، ومن ثم أبو بكر الصولي ومن هم على شاكلته من العلماء المؤلفين كالمرزباني والمبرد وثعلب والثعالبي، ومن إليهم يقولون الشعر ولكن في قلة وندرة. ومع ذلك فإن ما روي لأبي بكر الصولي من شعر لم يخل من مسحة رقة وجمال رونق، فمن ذلك قوله:

أحببت من أجله من كان يشبهه ... وكل شيء من المعشوق معشوق

حتى حكيت بجسمي ما بمقلته ... كأن سقمي من جفنيه مسروق

إنه شعر رقيق لا شك، ولكنه على رقته خالٍ من عاطفة الشاعر ولوعة المحب وحرارة المشتاق، ولقد أورد له كل من ابن خلكان والخطيب البغدادي وصلاح الصفدي أكثر من مقطوعة شعرية١.

وأسهم أبو بكر في تربية بعض الخلفاء وتعليمهم، فقد كان معلمًا للراضي ثم أصبح له نديمًا. ونادم غير الراضي من ملوك بني العباس مثل المكتفي والمقتدر. ومنادمة الملوك آنذاك لم تكن مجرد لقاء على كأس أو مجالسة على شراب، وإنما كانت المنادمة في كثير من حالاتها مجالسات أدبية ومطارحات علمية ومبادهات فكرية، ولقاءات فكاهية. واحتفاظ ثلاثة من الخلفاء بمنادمة إنسان بعينه له دلالة كبيرة على فصل هذا النديم وظرفه وأدبه.

بقيت صفة هامة من صفات أبي بكر الصولي، أو بالأحرى موهبة جديرة بالإشارة والتسجيل، تلك هي براعته الفائقة في لعب الشطرنج، الأمر الذي جعل لقب "الشطرنجي" متصلًا باسمه بحيث إن كل كتب التراجم تذكر اسمه مقرونًا بهذا اللفظ فيقال: أبو بكر محمد بن يحيى الصولي الشطرنجي، أو أبو بكر الصولي الشطرنجي، وأحيانًا أبو بكر الشطرنجي دون ذكر الصولي، ولبراعة الصولي الفائقة في لعب الشطرنج أصبح مضربًا للمثل فكان يقال في مجال الإعجاب بلاعب شطرنج "إنه يلعب الشطرنج مثل الصولي" بل إن بعض العامة -لكثرة ما سمعوا عن إتقانه اللعبة- ظنوا أنها من اختراعه.

وإذا ما تحدثنا عن أبي بكر الصولي المؤلف فإننا سوف نلقى العديد من الكتب التي قدرنا عدد ما وصل إلينا منها بنيف وثلاثين كتابًا في الأدب من شعر ونثر، وأخبار الأدباء من شعراء وكتاب، والتاريخ والدين والمجتمع.

ففي الأدب كتب الصولي "كتاب الأوراق"،


١ وفيات الأعيان "٤/ ٣٥٦" وتاريخ بغداد "٣/ ٤٢٩" والوافي بالوفيات "٥/ ١٩١".

<<  <   >  >>