للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشعر بصفة خاصة، ووضع على قدم المساواة مع كل من العالمين الكبيرين الجليلين الجاحظ وابن قتيبة، بل إن بعض العلماء قال: إنه أحسن تصنيفًا من الجاحظ١ وكان أبو علي الفارسي يقول: إن أبا عبد الله المرزباني من محاسن الدنيا.

وكان المرزباني صاحب منهج دقيق يلتزمه حين يقبل على تأليف أحد كتبه، فقد كان يجمع المادة العلمية للكتاب كما نفعل في عصرنا، ومن هذه المادة ينتقي ما يصلح لأن يضمه بين دفتي كتاب. فقد ذكر أنه سود ذات مرة عشرة آلاف ورقة صح له منها ثلاثة آلاف٢.

وكان المرزباني يعيش مع العلم وأهل العلم، وقد ذكر أنه كان عنده خمسون لحافًا ودواجًا -والدواج هو اللحاف الذي يلبس- لأهل العلم الذين كانوا يبيتون في داره٣، وليس من شك في أن هؤلاء جميعًا كانوا إما أدباء أصدقاء أندادًا وإما تلامذة كبارًا يساعدون شيخهم نسخًا أو إملاء، فإن العدد الكبير الذي تركه من الكتب يدفع بنا إلى الاستنتاج أن الرجل كان يستعين ببعض تلامذته.

هذا وكان المرزباني يجمع بين التشيع والاعتزال وشرب النبيذ، فأما الاعتزال والتشيع فأمر منطقي مقبول لارتباط التشيع بالاعتزال للأسباب التي يعرفها المهتمون بالمذاهب. وأما الجمع بين التشيع والاعتزال وشرب النبيذ فأمره غريب، وقد تواترت الأخبار على أن المرزباني كان يضع المحبرة وقنينة النبيذ بين يديه فلا يزال يكتب ويشرب٤.

وكان المرزباني من سمو المكانة بحيث كان عضد الدولة الملك البويهي الأديب يزوره بين الحين والحين سائلًا عن حاله، وقد سأله ذات مرة: كيف الحال؟ فأجابه بصيغة الاستفهام الاستنكاري الفكه: كيف حال من هو بين قارورتين؟!! يعني المحبرة وقدح النبيذ.

هذا ومن كانت تلك حاله من مصافاة الكأس ومنادمتها، ومن صفاء القريحة وعطائها فلا بد أن يصور بعض خواطره وينسجها شعرًا ما دامت ملكة الشعر حاضرة لديه. فمن شعر المرزباني قوله٥:

ولي ولها إذا الكاسات دارت ... رقى سحر يفك عرى الهموم


١ تاريخ بغداد "٣/ ١٣٥".
٢ المصدر السابق "٣/ ١٣٥، ١٣٦".
٣ معجم الأدباء "١٨/ ٢٦٩".
٤ تاريخ بغداد "٣/ ١٣٦".
٥ وفيات الأعيان "٤/ ٣٥٥".

<<  <   >  >>