ومهما قيل في حلقات الدرس هذه التي كانت تسمى أحيانا بحلقات القصاص أو مجالسهم، فإنها خرجت عددًا كبيرًا من علماء المسلمين وأئمتهم كما نشطت العقل الإسلامي ودربته على الجدل الذي نشط لمناقشة اليهود والنصارى في محافل عامة، أو مجادلة الفرق الإسلامية بعضها بعضًا.
صحيح أنه كان بالقصص على بداية عهد بني أمية مسحة من سياسة، ولكنه في الوقت نفسه ساعد في نطاق المجالس المشار إليها على تنمية العلوم الدينية والعقلية وإنعاشها من تفسير وحديث وفقه، ومن لغة وجدل وبداية لعلم التاريخ تمهيدًا لظهور التأليف عند المسلمين.
على أن القصص كان في واقع أمره مرتبطًا بالفكرة الدينية أكثر من استهدافه تسجيل الحقائق التاريخية، ولكن الحاجة إلى معرفة الأمم الماضية -وبخاصة تلك التي فتح الإسلام أراضيها- كانت من الأهمية بالنسبة للحكام ولعامة المسلمين بمكان. وآية ذلك ما روي عن معاوية بن أبي سفيان من أنه كان يستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها، والعجم وملوكها وسياستها لرعيتها وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة، ثم ينام طرفًا من الليل ولا يلبث أن يستيقظ، فتبسط أمامه الدفاتر فيها سير الملوك وأخبارها والحروب ومكايدها، ويقوم بقراءة ذلك عليه غلمان مرتبون لهذا العمل١.