للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه، وهكذا لكل من حاول اختصاره وجهة نظر خاصة به طبقها حين مارس عملية الاختصار التي أقدم عليها.

وتنتهي إلى علمنا ثماني محاولات من هذا القبيل كان أولها ما قام به الوزير الحسين بن علي بن حسين أبو القاسم المعروف بالمغربي المتوفى سنة ٤١٨هـ، ومعنى ذلك أنه بدأ يختصر كتاب الأغاني ولما يمض على وفاة مؤلفه نصف قرن من الزمان. وكان آخرها ما قام به الشيخ محمد الخضري العالم المصري الجليل الذي توفى سنة ١٩٢٧.

غير أن أشهر مختصرات الأغاني وأكثرها فائدة فيما نرى هي:

١- ما قام بعمله ابن واصل الحموي المتوفى سنة ٦٩٧هـ وكان يلقب بقاضي القضاة، وشيخ الشيوخ بحماة، واسمه كاملًا: محمد بن سالم بن نصر الله بن سالم بن واصل. وقد سمى كتابه "تجريد الأغاني من ذكر المثالث والمثاني" وعنوان المختصر يفيد أنه جرده من صفته الموسيقية، وهذا هو ما قام به بالفعل، كما أنه خلصه من التكرار والعنعنات، وزاد بأن شرح الصعب من الألفاظ، ولا يزال الكتاب مخطوطًا بدار الكتب المصرية.

٢- ما قام به ابن منظور المصري المتوفى سنة ٧١١هـ صاحب "لسان العرب" واسمه محمد بن علي، وكنيته أبو الفضل جمال الدين بن منظور، وكان سخي الذهن نابغ الفكر خصب الإنتاج ويكفيه فضلًا قاموسه "لسان العرب" الذي لم يستطع فرد ولا جماعة حتى الآن تصنيف ما يماثله دقة وعمقًا وإحاطة وشمولًا. ومن الطريف أن ابن منظور في الوقت الذي نرى له أطول وأفضل قاموس، نجده في الوقت نفسه مولعًا باختصار المطولات من كتب الأدب مثل الحيوان للجاحظ، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وذخيرة ابن بسام وأغاني الأصبهاني وهو الذي يعنينا في هذا المقام وسماه "مختار الأغاني في الأخبار والتهاني" وهو من الأعمال الجليلة التي تيسر النفع وتصل بالباحث إلى ضالته في سرعة ويسر.

٣- ما قام به الشيخ محمد الخضري الأستاذ بالجامعة المصرية، وصاحب المؤلفات النفسية في اللغة والأدب والتاريخ، إنه لم يختصر كتاب الأغاني على النحو الذي مر ذكره، ولكنه في الواقع هذب الكتاب وصنع منه شيئًا آخر، وهو لذلك سماه "تهذيب الأغاني" وجعله في سبعة أجزاء وخصص جزءًا أضافه إلى السبعة ضمنه الفهارس والملاحظات. وقد فصل الشيخ الخضري بين الغناء والشعر، ورد الأشعار إلى أصولها طبقًا لروايتها الصحيحة وليس تبعًا لما غناه المغنون أو المغنيات وأتم القصائد المبتورة، وقسم الشعراء إلى طبقات زمنية: جاهليين، ومخضرمين، وإسلاميين، ومخضرمي الدولتين، ومحدثين. وخص كل طبقة بجزء حسب الترتيب الذي ذكرناه. ولما كان الشعراء المحدثون من كثرة العدد ووفرة الإنتاج بمكان فقد خصص لهم جزءين هما الخامس والسادس، وأما الغناء والمغنون فقد أفرد

<<  <   >  >>