للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيم} ، ولكن جدة تأتي إلى الخليفة أبي بكر وتقول له: إن لي حقًّا في مال حفيد لي. فأجابها أبو بكر: ما أجد لك في كتاب الله شيئًا، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك شيئًا، وسأل أبو بكر في ذلك بعض الصحابة، فشهد المغيرة بن شعبة أن رسول الله أعطاها السدس، ولكن أبا بكر مع ثقته في المغيرة أراد أن يوثق هذا القول الذي سوف يصير في ما بعد حكمًا ودستورًا، فيسأل المغيرة: ومن سمع لك معك؟ فيشهد معه محمد بن مسلمة، حينئذ أمر أبو بكر بإعطاء المرأة سدس تركة حفيدها١.

إن الأحاديث الشريفة إذن من أهمية الجمع والتدوين بمكان، لقد كان عدد من الصحابة يحفظون الحديث ولا يروونه ولكنهم لم يكتبوه امتثالًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان منهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأم المؤمنين السيدة عائشة بطبيعة الحال، غير أن أكثرهم حفظًا ورواية كان أبا هريرة الذي روى ما يزيد على خمسة آلاف حديث، ويليه من حيث العدد ما روته أم المؤمنين عائشة التي روت ما يزيد قليلًا على ألفين ومئتي حديث.

ولكن عدم تدوين الحديث على عهد رسول الله أو بعد وفاته بقليل أتاح الفرصة لبعض الأفراد والفئات أن تضع أحاديث تخدم بها فكرة أجنبية أو مذهبًا سياسيًّا أو تبتغي من ورائه فسادًا في الدين وتنسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن أغلب هؤلاء كان يبغي من وراء وضع الأحاديث الدس على الإسلام، وبعضهم لم يكن حسن إسلامهم، بل كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الزندقة، فمن هؤلاء على سبيل المثال عبد الكريم بن أبي العوجاء الذي كان متهمًا بالمانوية، وكان من الخبث بحيث يخترع للأحاديث التي يزيفها على الرسول أسانيد يغتر بها غير المتفقهين العلماء، وكلها محشوة بالضلالات ملأى بما يناقض جوهر الإسلام، لقد اعترف عبد الكريم هذا عندما أخذ لتضرب عنقه جزاء تزييفه بأنه وضع أربعة آلاف حديث حلل فيها ما شاء وحرم فيها ما شاء٢، وهناك فئة أخرى من واضعي الأحاديث التي تحض على العبادات وفعل الخير وتنهى عن المنكر وفعل الشر، وقد ظنوا بذلك أنهم يقدمون للدين والأخلاق قيمًا ومعايير، وأنهم يضعون الناس على طريق الصواب. وهؤلاء وإن كان خطرهم لا يساوي خطر سابقيهم إلا أنهم -مهما كان غرضهم نبيلًا- مزيفون كاذبون.

وهناك أيضًا الفرق السياسية التي خاصم بعضها بعضًا كبعض الأمويين وبعض الشيعة، وكلها أحاديث لا يليق بأصحابها -مهما كانت الدوافع التي تراودهم من وراء كتابتها- أن


١ تذكر الحفاظ للذهبي "١/ ٢".
٢ فجر الإسلام "ص ٢١١" عن شرح مسلم الثبوت.

<<  <   >  >>