وتكون أخرى بألف دينار، وأكثر لا يجد واصفها مزيدًا على هذه الصفة، قال ابن سلام وإن كثرة المدارسة تعين على العلم قال محمد. قال خلاد بن يزيد الباهلي لخلف بن حيان أبي محرز، وكان خلاد حسن العلم بالشعر يرويه ويقوله:"بأي شيء ترد هذه الأشعار التي تروى؟ قال له: هل تعلم أنت منها ما إنه مصنوع لا خير فيه؟ قال: نعم، قال: أفتعلم في الناس من هو أعلم منك بالشعر؟ قال: نعلم قال: فلا تنكر أن يعرفوا من ذلك ما لا يعرفه أنت، قال: ابن سلام. وقال قائل لخلف: إذا سمعت أنا بالشعر واستحسنه فما أبالي ما قلت فيه أنت وأصحابك، فقال له: إذا أخذت أنت درهمًا فاستحسنته فقال لك الصراف: إنه رديء هل ينفعك استحسانك له"١.
وأما الكتاب من حيث تقسيمه فهو قسمان: قسم جاهلي وقسم إسلامي، ويفهم من بعض كلام المؤلف أنهما كانا كتابين: أمي جاهلي ألفه وانتهى منه ثم ألحقه بالقسم الثاني، وهو الخاص بالشعراء الإسلاميين.
والكتاب من حيث منهجه ينطبق على عنوانه كل الانطباق، فقد قسم الشعراء جميعًا من جاهليين وإسلاميين إلى طبقات متتابعة كل حسب قيمتها الغنية من وجهة نظره وتبعًا لمعاييره الخاصة التي لم يفصح عنها كل الإفصاح وإنما جعل نفسه كالخبير الذي يميز الجيد من الرديء والصيرفي الذي يميز الدينار الصحيح من الدينار المزيف.
لقد قسم ابن سلام الشعراء الجاهليين إلى عشر طبقات، جعل امرأ القيس والنابغة الذبياني وزهيرًا والأعشى في الطبقة الأولى وحدهم دون غيرهم، ولعل ذلك يفسر لنا القضية النقدية المبكرة التي تجيب على سؤال عن أفضل الشعراء الجاهليين، فكانت الإجابة: امرؤ القيس إذا ركب، وزهيرًا إذا رغب، والنابغة إذا رهب والأعشى إذا طرب.
وفي الطبقة الثانية من الشعراء الجاهليين يضع ابن سلام الحطيئة وكعب بن زهير، ولسنا ندري إلى أي جانب من الصواب هو محق في حكمه، فإنه لكل من الشاعرين صفة أخرى غير الجاهلية، فلقد شهد كلامهما الإسلام واعتنقه، ومن ثم فإنهما يعتبران شاعرين مخضرمين، وهي التسمية الصحيحة علمًا أن لكل منهما شعرًا كثيرًا في الإسلام وبخاصة الحطيئة رغم رقة دينه وارتداده بعد وفاة الرسول. ولكنه ما لبث أن آمن أو تظاهر بالإيمان وعاش إلى ما بعد عهد عمر بن الخطاب.
وفي الطبقة الثالثة يضع النابغة الجعدي وأبا ذؤيب الهذلي والشماخ بن ضرار، ولبيد بن ربيعة، وأربعتهم شعراء فحول ولكن اعتراضنا على أن نسبتهم إلى الجاهلية لا تزال قائمة،