للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمفضليات لشهرته باسمه دون لقبه، فإن مجموعة عبد الملك الأصمعي سميت بالأصمعيات لشهرته بلقبه دون اسمه، والنسخة التي نعتمد عليها في هذه الدراسة هي نسخة الشنقيطي المنسوخة سنة ١٢٨٥هـ، عن نسخة قديمة عليها خط ابن الأنباري، ولقد قام على تحقيق هذه النسخة، وأشرف على طبعها المحققان أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون.

وإذا كانت المفضليات التي مر ذكر حديثها تضم اثنتين وتسعين قصيدة، منها إحدى عشرة قصيدة مكررة في المفضليات للشعراء وأحيانًا للشاعر الواحد أكثر من قصيدة مكررة كما هو الحال بالنسبة لكل من حاجب بن حبيب الأسدي، زبان بن سيار المري، سنان بن أبي حارثة المري، عامر بن الطفيل، عبد قيس بن خفاف، فإن لكل واحد من هؤلاء الشعراء قصيدتين مكررتين في كل من المفضليات، والأصمعيات. وهناك شاعر واحد ذكرت له قصيدة واحدة مكررة في كل من المجموعتين، هو سبيع بن الخطيم.

والحق أن للكتب جدودًا سعيدة، وحظوظًا كما أن للبشر جدودًا سعيدة وحظوظًا، فإن المفضليات من الشهرة والجريان على الألسنة والشفاه بحيث تتضاءل أمامها الأصمعيات، مع أن قارئ المجموعتين بإمعان وحيدة سوف يكون أكثر إعجابًا وأشمل طربًا بنماذج الأصمعيات منه بأختها المفضليات، فالأصمعي أديب حافظ راوية ظريف وقد انعكست شخصيته إلى حد كبير على مختاراته، أما مختارات المفضل فحادة جادة فحلة فخمة مليئة بالألفاظ التي يحتاج فهمها إلى كشاف أو معجم لغوي وليس الأمر كذلك في الأصمعيات، وربما كان الناس في الماضي يطربون للإنشاءات المليئة بالألفاظ الغريبة الكثيرة أكثر من طربهم بقريناتها السهلة العذبة، بل إن الأمر في ذلك في مقام التأكيد، وليس الترجيح فكان أن غلبت شهرة المفضليات حسن اختيار الأصمعيات تمامًا كما غلبت -فيما بعد- شهرة مقامات الحريري على صعوبة ألفاظها ووعورة سجعها، مقامات بديع الزمان على رقة أسلوبها وخصب خيالها وجمال إيقاعها.

<<  <   >  >>