بنت الفضل، وصدئت القلوب، وضعف الطالب والمطلوب، وربما يظن أن ما تخالج فيه صدري وهجس، لرعونة أوجبها الفراغ والهوس، كلا بل ذلك لأمر يستحسنه اللبيب، ويحسن موقعه لدى كل أريب لما فيه من بقاء ذكر أناس شنفت مآثرهم الأسماع، وجمع أشتات فضائل حكم الدهر عليها بالضياع.
خامسًا: يهتم المؤلف بالمترجم ويحتفل به من حيث ذكر اسمه كاملًا مع صفته وكنيته ونسبته ومحل ميلاده وتاريخه ودار الإقامة والتنقل والأسفار وتحصيله العلم، وآثاره العلمية إن كان مؤلفًا والأدبية إن كان أديبًا وأخباره مفصلة إن كان شخصية عامة والوظائف التي تقلدها والأعمال التي أسندت إليه، مع مراعاة الدقة التامة في ذكر تاريخ الوفاة ومكانها إلا في حالات قليلة لا يكاد المرء يلتفت إليها.
سادسًا: أما والمؤلف يجمع بين صفتي الأدب والعلم فإنه حين يقدم لكتابه يتبع أسلوب عصره فيعمد إلى السجع المتواتر والجناس الملتزم وبقية الصناعة البديعية من مقابلة وطباق وتصريع، فإذا ما انعطف إلى ميدان القول في التراجم كان سهل الأسلوب عذب العرض رشيق العبارة في غير ما تكلف، أو تصنع إلا في حالات من يريد أن يضفي على شخصياتهم اهتمامًا خاصًّا من أعيانه فإنه حيئنذ -وتلك حالات غير كثيرة- يستبيح لنفسه قليلًا من الصنعة وبعض الأناقة في العرض.
وبعد، فكتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر يعتبر خير كتب التراجم التي حصر أصحابها أنفسهم بفترة زمنية محدودة. على أننا في الوقت نفسه لا ننال من قدر بقية لاكتب الأخرى التي انتهجت السبيل نفسه، بل التي سبقت إلى السبيل نفسه مثل "الدرر الكامنة" و "الكواكب السائرة" فكلها يقع بين درة مكنونة أونجم وهاج يهدي إلى القلوب نور المعرفة وإلى العقول سبل الثقافة ومناهج الرشد.