للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأندلس الذين عاشوا على أرضها على مختلف العصور، وليس في فترة زمنية محددة، فهو يترجم لشعراء عاشوا في القرن الثالث، مثل أحمد بن عبد ربه، وآخرين عاشوا في القرن الرابع مثل الفقيه منذر بن سعيد البلوطي، وأبي عمر يوسف بن هارون المعروف بالرمادي والفقيه المؤرخ أبي برك بن القوطية، ومحمد بن هانئ، كما يترجم لعدد وافر من شعراء القرنين الخامس والسادس.

من هنا يختلف المنهج الذي التزمه الفتح بن خاقان في هذا الكتاب عنه في قلائد العقيان، فالمطمح لا يختص بالترجمة لشعراء فترة بعينها، وإنما يختار شعراءه منذ أن بدأ الشعر ينمو ويترعرع في الأندلس، وأما القلائد فيختص بزمن معين سبق أن أشرنا إليه.

هذا هو المنهج الذي استخلصناه من قراءتنا لمطمح الأنفس، واستعراضه، ولقد قدم المؤلف لكتابه هذا في نطاق مفهومنا الذي أشرنا إليه قائلا بأسلوبه المزخرف الموقع المسجوع: "كان بالأندلس أعلام، فتنوا بسحر الكلام، ولقوا منه كل تحية وسلام، فشعشوا البدائع وروقوها، وقلدوها بمحاسنهم وطوقوها، ثم هووا في مهاوي المنايا، وانطووا بأيدي الرزايا، وبقيت مآثرهم غير مثبتة في ديوان، ولا مجملة في تصنيف أحد من الأعيان، تجتلي فيه العيون وتجتني منه زهر الفنون، إلى أن أراد الله إظهار إعجازها، واتصال صدورها بأعجازها فحللت من الوزير أبي العاص حكم بن الوليد عند من رحب وأهل، بمكارمه وانهل، وندبني إلى أن أجمع في كتاب وأدركني من التنشط إلى إقبال من ندب إليه، وكتابة ما حدث عليه، فأجبت رغبته، وحليت بالإسعاف لبته، وذهبت إلى إبدائها وتخليد عليائها"١.

ويقسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أقسام يشتمل أولها على "غرر الوزراء وتناسق درر الكتاب والبلغاء"، وثانيها يشتمل على "محاسن أعلام العلماء وأعيان القضاء والفهماء"، وثالثهما يشتمل على "سرد محاسن الأدباء النوابغ النجباء".

أما وأن المترجم لهم ليسوا من المعاصرين للمؤلف، فإن الحيدة والبعد عن التحيز يشكلان أساسًا لهذه الترجمات الست والتسعين والتي نهج فيها المؤلف نهج الاقتضاب الشديد، والإيجاز المسرف بحيث يكاد يخص المترجم له في حالات كثيرة بأقل من نصف صفحة، ولكنه لا يبخل على الأدباء الكبار والأعيان المرموقين بإيفائهم حقهم من الترجمة، ولو أدى ذلك به إلى إطالة لا تتفق مع نهج الإيجاز الذي التزمه المؤلف من مطمحه، فمن الأعيان التي أطال القول في ترجمتهم بعض الشيء الوزير أبو عامر بن شهيد، والفقيه أبو


١ مقدمة مطمح الأنفس "ص٢".

<<  <   >  >>