على العشر، ويكون ابن بسام ألف كتابه في حدود سنة ٥٣٢ وما بعدها، أي أنه كتبه بعد وفاة الفتح بن خاقان احتمالًا، وبعد تأليف الفتح كتابيه "القلائد" و "المطمح" ترجيحًا إن لم يكن قطعًا.
على أن هذا الترتيب الزمني بين كتابي الفتح بن خاقان، وكتاب ابن بسام لا يعني أن التقدم الزمني يرتبط بالسبق الفني، فإن ذلك أمر غير وارد، فإن إعجاب المتأدبين بالذخيرة لا يقاس به إعجابهم بالقلائد أو المطمح، بل إن أمر زيادة الاستحسان نحو الذخيرة يكمن في أن رجلًا نشأ في قاصية الغرب يستطيع إبداع مثل هذا الكتاب، ولقد استغرب صاحب المسهب حسبما يروي ابن سعيد "أنه يبعث من مدينة شنترين قاصية الغرب، ومحل الطعن والضرب من ينظمها قلائد في جيد الدهر، ويطلعها ضرائر للأنجم الزهر"١.
وليس من شك في أن ابن بسام كان يحيا حياة مرحة باسمة، ويعيش عيشة ناعمة إن لم تكن صاخبة في شنترين قبل أن يرزأ بآلام الغربة وقلق الشتات، ولعل هذه الأبيات من شعر تعتبر قرينة على ذلك حين يقول في صدر شبابه وهو بشنترين:
ألا بادر فما ثانٍ سوى ما ... عهدت: الكأس والبدر التمام
ولا تكسل برؤيته ضبابًا ... تغص به الحديقة والمدام
فإن الروض ملتئم إلى أن ... توافيه فينحط اللثام
هذا وأبو الحسن علي بن بسام الشنتريني كاتب أنيق الأسلوب في الكتابة مع التزام السجع والمحسنات -شأن كل كتاب زمانه- وأما شعره الذي أورد الكثير منه في "الذخيرة" فإنه لا يضعه في مرتبة مرضية بين شعراء الأندلس. ومهما كان الأمر فإن عمله الكبير والوحيد هو كتابه "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" فلنعرض إذن لكتاب الذخيرة.