للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجرًا للمديح، مدحه الرصافي البلنسي بقصيدة جميلة طويلة قال في بعضها١:

إن الكرام بني سعيد كلما ... ورثوا العلا والمجد أوحد أوحدا

قسموا المعالي بالسواء وفضلوا ... فيها عمادهم الكبير محمدا

وعلى يدي محمد هذا بني الجامع الأعظم بإشبيلية وتوفي في غرناطة سنة ٥٨٩هـ عن خمسة وسبعين عامًا.

ومن محمد بن عبد الملك تلقف الكتاب ولده موسى بن محمد، وكان عظيمًا كأبيه له مشاركة في السياسة شأن بقية أسرته، وله في الوقت نفسه إقبال على العلم وشغف بالقراءة والاطلاع ملك عليه حياته، لقد كان واليًا على الجزيرة الخضراء في جنوب الأندلس من قبل المتوكل بن هود، فلما مات المتوكل ترك السياسة، وتفرغ للعلم والاطلاع، والتأليف، والرحلة لجمع المعرفة، واتجه إلى المشرق لأداء فريضة الحج مصطحبًا ولده عليًّا، فتوقفا بعض الوقت في تونس، ثم مضيا في طريقهما حتى وصلا إلى الإسكندرية فمكثا فيها بعض الوقت لتعثر الرحلة إلى الحجاز، غير أن المنية عاجلته حيث هو سنة ٦٤٠هـ ولقد كان موسى ذا فضل وفير، وهل هناك أفضل من رجل مرموق في السياسة والحكم يتركهما طائعًا لكي يتفرغ للعلم والرحلة في سبيل المعرفة، إن ولده يقول عنه: لولا أنه والدي لأطنبت في ذكره ووفيته حق قدره، وله في هذا الكتاب -أي كتاب المغرب- الحظ الأوفر، وكان أشغفهم بالتاريخ -أي أشغف بني سعيد- وأعلمهم به، وجال كثيرًا إلى أن انتهى به العمر بالإسكندرية٢.

وهناك الكثير من الأمثلة التي تروى عن مدى تعلق موسى بالعلم والعلماء، والكتب، والصحف حتى وهو أمير على الجزيرة الخضراء، فقد علم أن لدى بعض المنسوبين إلى بيت نباهة كراريس وقال: علي يمين ألا تخرج من منزلي وإن كانت له حاجة فليأتِ على رأسه، فلم تأخذه عزة الإمارة، بل ضحك وطلب إلى ابنه علي أن يسير معه إليه، فقال علي: ومن يكون حتى نمشي إليه على هذه الصورة؟ فقال موسى: إني لا أمشي إليه، ولكن أمشي إلى الفضلاء الذين تضمنت الكراريس أشعارهم وأخبارهم، واستطرد قائلًا: أتراهم لو كانوا أحياء مجتمعين في موضع أنفت أن أمشي إليهم؟ فقال علي: لا فقال إن الأثر ينوب عن


١ المغرب "٢/ ١٦٢".
٢ المغرب "٢/ ١٧٠".

<<  <   >  >>