للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث عن الكتاب تفصيلًا- هذا ولم تكن موسوعة "الأغاني" هي الأثر الفكري الوحيد لأبي الفرج بل إنه ترك خمسة وعشرين كتابًا أخرى على جانب كبير من القيمة الأدبية والتاريخية والاجتماعية.

وفي الفترة الزمنية نفسها التي عاش أغلبها أبو الفرج الأصبهاني، وفي مدينة بغداد نفسها تظهر موسوعة أخرى من أرقى الموسوعات العربية أدبًا وفكرًا وقتًا وتاريخًا واجتماعًا هي موسوعة "نشوار المحاضرة" للمحسن بن علي التنوخي ٣٣٧-٣٨٤هـ، وتعرف الموسوعة نفسها أيضًا باسم "جامع التواريخ"١.

هذا وقد ترك التنوخي كتابين آخرين من أمتع ما كتب في الأدب العربي هما "الفرج بعد الشدة" و"المستجاد من فعلات الأجواد".

هذا وإننا لا نستطيع أن نغفل موسوعة من أرقى الموسوعات فكرًا وعلمًا وأدبًا وفنًّا ظهرت في القرن الرابع نفسه، إنها موسوعة "الإمتاع والمؤانسة" التي مر ذكرها لأبي حيان التوحيدي، الأديب الفيلسوف العالم المفكر، لقد ضمن أبو حيان موسوعته المتواضعة أبوابًا مختلفة في اللغة والشعر والفلسفة والمنطق والأخلاق والمنادمة والموسيقى. إن "الإمتاع والمؤانسة" واحد من آثار أبي حيان الستة والعشرين التي أحرقها جميعًا سخطًا منه على المجتمع لسوء معاملته إياه، غير أن بعض هذه الكتب كان بأيدي الناس بعض نسخ منها قبل الحريق فوصل إلينا منها "الإمتاع والمؤانسة"

و"المقابسات" و"الصداقة والصديق" و"الإشارات الإلهية" و"أخلاق الوزيرين" "والبصائر والذخائر" و"الهوامل والشوامل".

وإذا كان القرن الرابع الهجري قد سعد بالموسوعتين الكبيرتين "الأغاني" و"نشوار المحاضرة" مضافًا إليهما "الإمتاع والمؤانسة" فإن القرن الخامس بدوره قد أصاب قدرًا غير قليل من الإسهام الموسوعي وذلك بظهور "تاريخ بغداد" لأحمد بن علي بن ثابت المشهور بالخطيب البغدادي ٣٩٢-٤٦٣هـ و"تاريخ بغداد" الذي تحدثنا عنه تفصيلًا. وليس "تاريخ بغداد" هو الأثر العلمي الوحيد للخطيب البغدادي، وإنما كان الرجل منتجًا، فقد ذكر له ياقوت ستة وخمسين مؤلفًا بينها موسوعتان أخريان غير "تاريخ بغداد" هما "الفقيه والمتفقه" في اثني عشر مجلدًا، و"الجامع لأخلاق الراوي والسامع" في عشرة مجلدات.

هي إذن سلسلة مباركة موصولة الحلقات الزمانية، والفكرية فيما يتعلق بالموسوعات العربية التي بدأت كتابتها منذ بداية القرن الثالث الهجري حتى أواخر التاسع وبداية العاشر حين بدأ التفكك الذي أذن بانتقال سيادة العرب المسلمين على أنفسهم إلى سيادة الأتراك


١ تجري الآن محاولة لتحقيقها ونشرها يقوم عليها الأستاذ: عبود الشالجي من العراق.

<<  <   >  >>