شيء، غير أنه لم يصل إلينا من شعر إبراهيم إلا القليل حتى نحكم عليه.
ويلتمع في سماء أسرة الصوليين نجم ثالث، هو أبو بكر محمد بن يحيى الصولي الشطرنجي ويكون لمعانه في ميادين عدة ولكن أهمها التأليف الأدبي، لقد ألف كتبًا في أخبار عدد من الشعراء، وفي أشعار أولاد الخلفاء، وجمع شعر نوابغ شعراء العربية على ما سوف نبينه تفصيلًا في باب التأليف.
على أن النبوغ في الكتابة لم يكن مقصورًا على أسر بعينها، فكم من أفراد من عامة الناس فرضوا أدبهم على الخلفاء وعلى التاريخ دون ما سند من جاه إلا جاه العلم، أو ركيزة من قوة إلا قوة الثقافة، إن من بين هؤلاء من تولى الوزارة مثل أحمد بن يوسف، ومثل محمد بن عبد الملك، وكان أبوه يبيع الزيت في بغداد، وقد كان كلاهما من ألمع وأبلغ وآدب وزراء العباسيين. ومنهم من فرض نفسه على التاريخ لنبوغه وعبقريته دون ما سند ما وظيفة أو جاه من سلطان مثل أبي عثمان الجاحظ، وابن قتيبة الدينوري. إن للجاحظ رسائل تضعه بل وضعته في قمة كتاب العربية سواء من ناحية الفكرة أو من ناحية الأسلوب، وهو بتملكه الأسلوب وانقياد القلم لقريحته قدم من صنوف المعرفة على صفحات كتبه التي تعد بالمئات ما تفخر به المكتبة العربية إلى يومنا هذا الذي نعيشه، بل لا نكون مبالغين إذا ما قلنا: إن الفكر الإنساني ليفخر به.
إنه ليس من شأن هذا الكتاب أن يخوض في فن الكتابة إلى أعماق أكثر من ذلك، فهذا لا يدخل في منهج هذ الكتاب، وإنما الذي نريد أن نصل إليه، هو أن الكتابة، وهي أداة التأليف، قد اكتمل شبابها واستوى عدوها بحيث أصبحت هي نفسها فنًّا مستقلًّا هو فن النثر، وهي بالإضافة إلى ذلك كانت أداة النابهين من مؤلفينا في تأليفهم كتبهم الكثيرة الوفيرة الثمينة التي سوف يأتي ذكرها وذكر أصحابها من المؤلفين في مكانهم المناسب من هذا الكتاب.
غير أن الموضوع الذي نقف أمامه هنا هو الكتابة من حيث كونها، فنًّا أعني من حيث كونها نثرًا، وبالتالي فإن منهج هذا الكتاب يقتضينا أن نضع بين يدي قارئه مصادر النثر العربي.