[إسلام عمر بن الخطاب أعز الله به الإسلام]
كان عمر بن الخطاب كان أشد الناس على أصحاب رسول الله، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين عمرو أبو الحكم -الذي هو أبو جهل - وعمر بن الخطاب).
فيقدر الله أن يدخل عمر على الرسول صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يمشي في شوارع مكة يريد أن يقتل محمداً قال له أحدهم: اذهب وانظر أختك وزوجها الذين صبئوا! فذهب إلى أخته فسمع هينمة قبل أن يدخل، فإذا عندهم أحد الصحابة يعلمهم الإسلام سراً، فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها؟ قالت: لم تسمع شيئاً، قال: بلى سمعت، وما هذه الصحيفة التي في يدك، ولطمها فأسال دمها، فلما رأى ما وقع لأخته أمامه تأثر، وقال لها: أعطيني الصحيفة التي كانت بيدك، فقالت: لا أعطيك أنت رجلٌ نجس، وهذا كتاب الله (لا يمسه إلا المطهرون) فاذهب واغتسل وسأعطيك إياها.
ذهب واغتسل، ثم جاء وأخذ الصحيفة، فقرأها فإذا فيها من كتاب الله سورة طه أو غيرها، فقال: ما أحسن هذا! أين يوجد رسول الله؟ ذاك الصحابي الذي كان يعلم أخته وزوجها وكان مختبئاً، لما نظر إلى هذا الإقبال من عمر قال: يا عمر! إلحق لعل دعوة رسول الله تصيبك، والله لقد سمعته يقول: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين)، إلحق وأدركها، قال: أين هو؟ قال: في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فذهب عمر إلى دار الأرقم، ولما طرق الباب جاءوا ونظروا من شق الباب فإذا هو عمر! البيت كله ضجّ: ما يريد عمر؟! فقال حمزة -وكان موجوداً وأسلم قبل عمر بثلاثة أيام: ما بالكم؟ قالوا: عمر على الباب، فقال: وإن كان! إن يرد خيراً فهو له، وإن يريد غير ذلك قتلناه.
وقتلُ عمر ما هو بالشيء الهين، لأن وراءه قريشاً بكاملها؛ لأنه كان السفير إلى القبائل، لكن انظر القوة والتأييد من الله! قال: افتحوا له الباب، وتقدم حمزة وأخذ بيده وأخذ آخر بيده الأخرى، ولما دخل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: اتركوه، ثم أجلسه وقال: (أما آن لك أن تسلم يا ابن الخطاب؟!) انظر القوة! كلهم خائفون منه.
حتى إن بعض الصحابة كان يستبعد أن يسلم عمر ويقول: لا يسلم عمر حتى يسلم حمار الخطاب، مستبعدين ذلك منه جداً، فلما جذبه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، يقولون: كان إسلام عمر تتمة الأربعين رجلاً.
فنحن يا إخوان عرجنا على هذه النواحي ولابد أن نلفت الأنظار إلى تراجم وسير الصحابة، فلهم حق كبير علينا، وهم أسوتنا.
ولما أعلن عمر إسلامه، قال: يا رسول الله! على ماذا الاختفاء؟ ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: لماذا لا نخرج، قال: لأنا قلة، قال: لا بد من خروج.
يقول بعض علماء السيرة والتاريخ: فاصطفوا صفين، وكان حمزة في مقدمة أحد الصفين، وعمر في مقدمة الصف الثاني، انظر المنظر! حمزة في مقدمة صف، وعمر في مقدمة الصف الثاني! وخرجوا صفين منتظمين.
وكانوا في عزة لم يجرؤ أحد على الاعتراض لهم، لأن حمزة وعمر لا يستطيع أحد أن يتقدم على هذه الصفوف وهما فيها؟! وانظر أيضاً إلى التنظيم والاحتياط، وهذا الواجب على المسلمين في مبادرة، ومجاهرة بأمرٍ له خطره، والعدو له وزنه.
نقول: هؤلاء الصحب الكرام الذين اختارهم الله لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعرفهم للأمم الماضية في التوراة وفي الإنجيل؛ فنحن أحق بتلك المعرفة، ويجب على كل مسلم أن يعرف من ترجمة أصحاب رسول الله وسيرتهم ومناهجهم أكثر مما يعرف عن أبيه وأمه.