جاء رجل للحسن بن علي رضي الله تعالى عنه وهو يطعن في خلافة أبي بكر ويشيد بـ علي رضي الله تعالى عنه، قال: على رسلك، أما تقرأ قوله تعالى:{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ}[التوبة:٤٠] من ثاني رسول الله؟ قال: أبو بكر {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ}[التوبة:٤٠] وهما في الغار، من صاحبه؟ قال: أبو بكر، {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:٤٠] مع من؟ مع رسول الله وأبي بكر.
قال: أعطني واحدة من هذه لـ علي؟ ولذا عمر رضي الله تعالى عنه كان يقول:(لليلة من أبي بكر في الغار تعدل آل الخطاب جميعاً).
كان الصديق رضي الله عنه خائفاً ويقول:(لو نظر أحدهم أسفل نعليه لأبصرنا) ورسول الله يطمئنه: (ما بالك باثنين الله ثالثهما) بينما في غزوة بدر الرسول صلى الله عليه وسلم يجتهد في الدعاء حتى يسقط رداؤه من طول ما يرفع يديه إلى السماء، وأبو بكر يقول:(حنانيك يا رسول الله، إن الله ناصرك، إن الله منجز وعده)، الرسول مجتهد في الدعاء وأبو بكر يطمئنه، على عكس ما كان في الغار، لماذا؟ لأن اجتهاده صلى الله عليه وسلم لم يكن لنفسه ولا مخافة على شخصه، بل من أجل الأمة التي جاء بها للعير وقابلت النفير، ولذا أعلنها وقال:(إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)، فكان اجتهاده في الدعاء وضراعته إلى المولى من أجل تلك العصابة والجماعة.
إذاً: خرج صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من الغار وقد عرفا ما يقع في مكة لأن عبد الله بن أبي بكر كان يبيت في مكة ويأتيهم بالأخبار، فهو قسم الإعلام في الأمة، وكان راعي غنم أبي بكر يأتي في الصباح الباكر يحلب لهم من الغنم، ويسير بالغنم على آثار عبد الله بن أبي بكر حتى لا يعلم المشركون من جاء ومن ذهب خطة، تدبير، سياسة، أمن وأمان، كل ما يمكن أن يفكر فيه الإنسان اجتمع في التحفظ والسرية، وفي مباشرة أمر الهجرة فيما يكون في استطاعة البشر.