[ربط القرآن بين المؤمنين وغيرهم من المخلوقات]
هذه الأخوة -كما سمعنا من والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه- لم تقف عند حد البشر، بل تعدت ووصلت بين حملة عرش الرحمن وبين مؤمني هذه الأمة، كما قال الله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُو} [غافر:٧]، يعني: أخوة الإيمان بين مؤمني هذه الأمة وبين حملة العرش {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:٧ - ٩].
وهذه نصيحة للدعاة، وللإخوة الذين يدعون الآخرين فيما يمكن أن يرطب القلوب أو يفسح المجال، يمكن أن نقول: تلك الأخوة ربطت بين الإنسان والحيوان، بل أيضاً بين الإنسان والملائكة حملة العرش.
وفي السير أن سفينة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان راجعاً من غزوة، فإذا بالأسد قد حاصر الناس على الطريق الأسد على الطريق ولا أحد يقدر أن يمشي، فقال: ابتعدوا، فتقدم إلى الأسد، وقال: أيها الأسد! أنا صاحب رسول الله قد عزمت عليك لتفسحن لنا الطريق، فما كان من الأسد إلا أن ابتعد وتنحى عن الطريق وتركهم يمشون.
ويقولون: بعض الملوك في عصر من العصور جاءه بعض العلماء ينصحه، وكان قد تجاوز الحد، فكان من طغيان هذا الملك أنه أراد أن يقتل من نصحه، لكن لمكانة هذا الرجل أراد أن يتشفى بقتله، وكان عنده من أنواع الوحوش الشيء الكثير، فعمد إلى أسد من الأسود وجوعه ثلاثة أيام، ثم جاء بالرجل في ميدان ليطلق عليه الأسد ويرى هو وأعوانه كيف يفترس الأسد هذا الشيخ الضعيف، فلما جاء بالعالم إلى هذا الميدان، وعرف العالم مجيئه إليه قام يصلي، ثم وهو في حالة سجوده يأتي الأسد يدور حوله ويشمشم، وإذا به يأتي بجانبه يمد يديه، فلما سلم الرجل أخذ بدون خوف أو هلع! ثم قالوا له: بعدما رفعت من السجود رأيناك تفكر، ففيم كنت تفكر؟ قال: والله كنت أفكر هل لعاب الأسد طاهر أم نجس فيفسد عليّ صلاتي؟ قيل له: ما تفكر في الموت والخوف؟ قال: لا.
ربي سبحانه وتعالى يحميني.
فما الذي ربط بين هذا الأسد وهذا الرجل؟.
ورابطة العبد بربه آخت بين الإنسان والجماد، أبو العلاء بن الحضرمي لما ذهب لفتح البحرين وعلم أهل البحرين أنه آتيهم حازوا السفن إلى جزيرتهم، وإذا به عند شط البحر ليس معه إلا سفينة البر وهي الجمال، فقال لأصحابه: إني عزمت على شيء.
قالوا: ماذا؟ قال: نخوض البحر، لقد أراكم الله آية في البر وهو قادر على أن يريكم آية في البحر.
وكانوا قبل ذلك وهم في الصحراء قد نفد ماؤهم وكادوا يموتون عطشاً، ينتظرون الموت، فإذا في القائلة يرون سحابة من بعيد تقصدهم، والسحابة ما دامت آتية فسوف تمر وتذهب، فلما أظلتهم أمطرت وشربوا وسقوا دوابهم، وملئوا أوعيتهم بحمد الله ومشوا تلك آية، فقال: إن الله قادر على أن يريكم آية كذلك في البحر.
قالوا: على بركة الله.
فتقدم قائدهم ووقف وخاطب البحر قائلاً: أيها البحر! إنك تجري بأمر الله، ونحن جند في سبيل الله -إن القاسم المشترك بينهم أنهم كلهم لله- عزمت عليك لتجمدن لنعبر نقاتل عدو الله.
ثم قال: اعبروا باسم الله.
يقول ابن كثير في البداية والنهاية في إيرادها: ما ترجل الفارس، ولا احتفى المنتعل، وكأنهم يمشون في الصحراء، وعبروا وقاتلوا وانتصروا ورجعوا.
إذاً: ارتباط العبد بالله، والمؤاخاة بين الفرد والآخر لم تقتصر على الإنسان والإنسان، بل امتدت إلى عالم الملائكة، والحيوان، فعليك أن تقوي صلتك بالله، وعليك أن تحافظ على تلك الأخوة بينك وبين إخوانك.
أيها الإخوة الكرام: إن هذا المنهج العملي في الإسلام هو الذي يهمنا، وليس مجرد: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠].
ثم كيف توصل النظام الإسلامي إلى أن يوجد أخوة بين المسلمين؟ أولاً: ردهم إلى أصلهم {مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى} [الحجرات:١٣]، {شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:١٣].
ثانياً: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:١٠٣]، جانب المادة في الجسم حافظ على حقوقه وحرم الاعتداء على تلك الحقوق، وسلط روافد الخير التي تنمي وتغذي دوحة الإخاء.
وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وجعلنا من المتحابين في الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.