وبدأ صلى الله عليه وسلم وبنى أول حجرة شرقي المسجد، فقال أبو بكر لرسول الله:(بنيت الحجرة! لماذا لم تبن بزوجك عائش -وكان عقد عليها وعمرها سبع سنين وبلغت تسع سنين عندما دخل بها- قال: ما عندي ما أمهرها) أي: ليس عندي صداقها.
وقد جاء عنه النهي عن أن يدخل الإنسان على المرأة قبل أن يدفع لها شيئاً، كما جاء في زواج علي بـ فاطمة رضي الله تعالى عنهما أنه (لما خطبها قال له الرسول: ماذا تعطيها؟ قال: ليس عندي شيء، قال: أين درعك الحطمية، أعطها إياها.
أما ماذا ستفعل بالدرع؟! فكما تشاء، تتملكه أو تبيعه أو ترده على زوجها، المهم أنه صداقها.
فقال: ما عندك ما تمهرها؟ أنا أمهرها عنك.
ودفع أبو بكر لـ عائشة صداقها، وهنا نقف وقفة طويلة، فالرجل العاقل إذا وجد الزوج الصالح لابنته، فلا يتساهل في الشروط أو الطلبات فقط، بل يعينه بما يستطيع.
ما المانع ما دام يجد الكفؤ لابنته، فهي ليست ما كثة عنده في البيت؟! عندما تدفع أنت وتشتري رجلاً طيباً وتطمئن إليه ويكرم ابنتك؛ أليس أحسن من أن تبيعها وتأخذ ثمنها وغداً ترجع عليك؟! ما أطيب السنة وما أجملها وأوسطها وأيسرها! ثم كان عليه الصلاة والسلام كلما تزوج امرأة بنى لها حجرة، وصارت حجرات زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرق إلى الشمال، وبيت حفصة من الجنوب.
إلى هنا وصلت رحلة الهجرة إلى غايتها، ويمكن أن نعتبر ما تقدم الحديث عنه من أول تدبير النبي صلى الله عليه وسلم بنوم علي في فراشه، وإعداد أبي بكر الرواحل، والاتفاق مع ابن أريقط، ومواعداته إلى الغار بعد ثلاث، كله بداية وتاريخ ومنهج الهجرة؛ إلى أن وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبدأ في بناء المسجد.