نحن هنا عند مشارف المدينة نقف وقفة طويلة، ونتأمل ما يمكن أن يسميه الإنسان: تفاؤلاً.
الرسول تفاءل لما علم أن الراعي رجل من أسلم وقال لـ أبي بكر:(سلمت) وتفاءل لما سمع أن اسم الراعي (مسعود) وقال: (سعدت)، ونحن نتفاءل، ولكن بأي شيء؟ نعود إلى بداية الرحلة وإلى نهايتها، وإلى ما بين ذلك، فإن دليل الرحلة هو عبد الله بن أريقط وهو رجل مشرك، ولما قدم المدينة أعلن عن وصوله يهودي.
فمن الفأل الحسن أن يكون الله سبحانه قد سخر الأعداء لخدمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالمشركون ممثلون في شخصية ابن أريقط وهو يقود الركب رغماً عن أنوفهم إلى المدينة، وها هم اليهود أعداء الإسلام والمسلمين بحقد وحسد هم الذين يعلنون مقدم رسول الله، فمن باب الفأل الحسن أن نقول: لقد سخر الله أعداء الإسلام والمسلمين لخدمة دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما النصارى فقد أمن جانبهم حينما ذهب المهاجرون الأولون إلى الحبشة، وما كان من أثر الهجرة الأولى إلى الحبشة بين يدي النجاشي يدل على هذا، وهذا النجاشي قد أعلن إسلامه وتصديقه لرسول الله، وقال:(لولا ما أنا فيه من الملك لوددت أن أخلص إلى محمد لأغسل التراب عن قدميه).
تاج النصرانية على رأس النجاشي يطأطئ ليغسل التراب عن قدمي رسول الله، وها هي أصنام وأوثان الشرك تتكسر وتتحطم في ابن أريقط ليقود ركب الهجرة إلى المدينة، وهاهم اليهود الحاقدون الحاسدون هم الذين يعلنون عن وصول رسول الله إلى المدينة، إذاً: فالإسلام ظاهر على المشركين وعلى اليهود، وقد ظهر على النصرانية من قبل، فماذا بقي بعد ذلك؟ {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}[الفتح:٢٨].