ممن بادر بالإسلام أيضاً: سلمان الفارسي، بعضهم يقول: أسلم بعدما جاء الرسول إلى المدينة، وبعضهم يقول: أسلم وهو لا يزال في قباء أول قدوم النبي إلى المدينة، وكان على نخلة لسيده الذي اشتراه، يشتغل فيها ويجني رطباً.
ولما سمع بوصول محمد صلى الله عليه وسلم جاء بشيء من الرطب، وقدَّمه وقال: يا محمد! هذه صدقة مني عليك وعلى أصحابك، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: كلوا.
وهو لم يأكل، فقال سلمان: هذه واحدة.
ثم ذهب وجاء من الغد بمثلها، وقال: يا محمد! هذه هدية مني إليك، فأكل وأكلوا معه، فقال: هذه الثانية.
فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمس يقول: هذه واحدة، وسمعه من الغد يقول: هذه الثانية.
فلما أراد أن يدبر قال: هلمَّ يا سلمان انظر الثالثة، وكشف له قميصه عن خاتم النبوة بين كتفيه، قال: انظر الثالثة يا سلمان؛ لأن في كتبهم أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، ويوجد خاتم النبوة بين كتفيه، فلما رآه سلمان أهوى عليه وقبَّله، وقال: أشهد أن لا إله إلَّا الله وأنك رسول الله.
سلمان الفارسي -مثلما يقولون- مُنْتَهٍ أمرُه؛ لأنه أخذ يتنقل من فارس إلى العراق، وكلما جاء إلى أحبار وإلى علماء يرفعونه إلى غيرهم، حتى دفعوه إلى أحبار الشام، وأحبار الشام دفعوه إلى يثرب، قالوا: انتظره في يثرب فإنها دار هجرته.
فجاء إلى المدينة ينتظر مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا حينما كان في غزوة الخندق وقسم النبي صلى الله عليه وسلم أهل المدينة إلى قسمين: راية للماهجرين، وراية للأنصار، اختلفوا في سلمان؛ المهاجرون يقولون: سلمان تحت رايتنا؛ لأنه آتٍ من الخارج، والأنصار يقولون: سلمان تحت رايتنا؛ لأنه كان موجوداً ينتظر رسول الله.
ففض هذه الخصومة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:(سلمان منا آل البيت).
أي فخر هذا؟! هكذا واجه النبي صلى الله عليه وسلم تلك الطوائف المختلفة.