كانت غزوة الحديبية في السنة السادسة من الهجرة، قال تعالى في أول سورة الفتح:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}[الفتح:١ - ٤].
إذاً: من عوامل النصر إنزال السكينة في قلوب المؤمنين، لماذا؟ قال الله:{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الفتح:٤] هذا موقف.
الموقف الثاني: إنزال السكينة أيضاً في أحرج المواقف، قال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح:١٨] وكانت هذه البيعة حينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان يفاوض أهل مكة على أن يسمحوا لهم أن يعتمروا ويطوفوا بالبيت ثم يخرجوا عنهم، لكن المشركين كما قال تعالى:{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ}[الفتح:٢٦].
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}[الفتح:١٨] من الإيمان؛ لأنه قال في أول السورة:{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:٤]، وهنا علم ما في قلوبهم من آثار السكينة التي جاء ذكرها في أول السورة:{فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ}[الفتح:١٨].
وذلك أنهم بايعوا رسول الله حينما قيل بأن عثمان قد قتل، فقال:(بايعوني على الموت) فبايعوه عن يقين وطمأنينة {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ}[الفتح:١٨]، بهذه السكينة، {فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرةً يَأْخُذُنَهَا}[الفتح:١٨ - ١٩].
ففي صلح الحديبية كانت السكينة لها عامل كبير في موقف المؤمنين، وثباتهم أمام قريش عن بكرة أبيها وهم على مشارف الحرم.