ومن العجب ما يذكره زميل لي، كان أبوه أمير قرية، وجاءه ضيف قبل أذان الظهر فذبح له، وأذن المؤذن، فصلوا ورجعوا، فوجد ضيفاً قد أتى وقد طبخت الذبيحة، ثم قدمت للضيوف فإذا بالضيف الثاني يمتنع عن الأكل، قال: هذه ليست ذبيحتي، هذه ذبيحة الأول، كيف آكل على حساب الأول! انظروا إلى أي حد بلغ التشدد، وإلى أي حد وصل التعصب، فأخذ العصا وقال: أقسم بالله! إما أن تأكل مع هذا وإلا لا تدخل بيتي بعد اليوم.
فليست المسألة بالتعصب ولا بالعادات الشديدة، وليست هي بمسألة التكفير، وليست هي بمسألة الشح والبخل، فالرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا الدرس هنا في تلك الخيمة بأنه لم يرد إراقة الدم في بداية طريق الهجرة الخيرة ويراعي ظروف المضيفة، بينما هنا في المدينة لما وجد اليسار ووجد صاحب المال قبل المكرمة.
وأيضاً مما يذكر في هذا الباب: أن رجلاً صنع طعاماً ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءوا فأكلوا قليلاً وامتنع البعض، فقال صلى الله عليه وسلم:(أخوكم تكلف لكم فكلوا).
سمعت أن أحد آل الشيخ، دعا الملك عبد العزيز في ذلك الوقت، وجاء بعض الناس يجعلون أنفسهم كأنهم على شبع فينال الواحد من بعض الطعام قليلاً ثم يرفع يده، والعار عندهم إذا واحد رفع يده ومد آخر يده بعده، لأنه يقال: هذا قنوع وهذا جشع.
فكان الشيخ عبد الله يغفر الله له حاضراً وهم جالسون، وأراد شخص أن يرفع يده، فأخذ بالعصا وأقسم بالله، وقال: يا عبد العزيز والله ما واحد يرفع يده قبل أن يشبعوا كلهم، وإلا والله أشبعته بالعصا، فأكلوا حتى شبعوا.
ثم قال: الذي شبع يقوم ولا على البقية من أن يأكلوا حتى يشبعوا، اتركهم لحريتهم، المهم أن من لم يشبع يأكل ولا عار عليه، حتى سموها فيما بعد عادة سعودية، الذي شبع يقوم والذي ما شبع يأكل ولا عار على واحد منهما.
على كلٍ مراعاة آداب الطعام ومراعاة آداب الضيافة والإرفاق بالمضيف من مكارم أخلاق الضيف.