فلما بعث صلى الله عليه وسلم، وأتى إلى خديجة، وذكر لها ما رأى في غار حراء، ويقول وهو ترتعد فرائصه: زملوني! دثروني! قالت: قم معي، وذهبت به إلى ورقة بن نوفل وكان رجلاً يقرأ الكتب القديمة، قالت: اسمع من ابن أخيك ماذا يقول، والعرب تقول لابن العم أو للمقارن أخ.
فقص عليه، فقال: يا ابن أخي! هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني أكون جذعاً فأنصرك حينما يخرجك قومك! قال: أومخرجي هم؟ قال: ما جاء أحدٌ بمثل ما جئت به إلا عودي وأوذي.
وكم من الأنبياء قتل، في سبيل الدعوة إلى الله!! إذاً: عندما جاء صلى الله عليه وسلم إلى الناس بأمر بعيد عنهم حين ذلك كانت المجابهة والمصادمة، ولكن الله سبحانه من بادئ الأمر جاء بمثل هؤلاء الذين معه، والذين ادخرهم الله لصحبة رسوله، من هؤلاء الذين يساندونه ويقفون معه، فتأتي خديجة زوجه، وتكون أول من وازره وسانده.
وهذا الموقف منها عظيم عندما يأتيها كزوج ترتعد فرائصه وخائف، ما جعلته ينام وتغطيه، بل تأملت في الأمر، فإذا به شيء على غير العادة! فقالت: نذهب ونسأل ونتعرف، فلما ذهبت وأخبرت تبين الحق بأن هذا ليس أمراً شيطانياً، وأن هذا مما كان ينزل به الوحي على الرسل من قبله، وأنه بدأ طريقاً جديداً.
وجاء أمر الصديق رضي الله تعالى عنه، ثم بدأ كل يدعو من كان معه، وجاء عثمان عن دعوة أبي بكر، وجاء طلحة وفلان وفلان {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ}[الفتح:٢٩] شخص وراء شخص حتى خرجوا واختفوا في دار الأرقم بن أبي الأرقم.