كل ما سبق شرع لحفظ ما بين الأفراد من نوازع الشر التي تقع بينهم، وإذا تأملتم ما قبلها:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات:٩]، سبحان الله! هذا الوقت الذي يأتي متزامناً مع مشكلة الخليج، لو أن العالم الإسلامي طبق هذه الآية، والله ما كنا في حاجة إلى هذا المأزق، وقد كتبت هذه المحاضرة سنة ثلاث وثمانين، وألقيت في الجامعة الإسلامية، وهذه الآية هيئة أمم إسلامية، وبوليس دولي من كتاب الله الطائفتان تقتتلان، نصلح بينهما، من الذي يصلح؟ محكمة عدل إسلامية.
{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}، من الذي يقاتل؟ دولة ضعيفة؟ أم دولة واحدة؟ وهل تدخل في شئون الغير؟ لا، بل قوة من العالم الإسلامي تقوم باسم الإصلاح، فتكون هي التي تقاتل هذه الفرقة الباغية.
لو كان هذا قد حدث في أول حركة لبنان، وكانت تخرج قوات من البلاد العربية والإسلامية وفيها قوة الردع لتردع الباغي، فلو أن العالم الإسلامي لمؤتمر مكة في عهد الملك خالد رحمه الله، تبنى الكويت هذا المشروع، وعرض على المؤتمر وأقر، لكنه ما حرك ولا خرج إلى حيز التنفيذ.
فلو أن العالم الإسلامي عاد إلى كتاب الله وإلى تشريع رسول الله، وإلى ما جاء عن الله لمصلحتهم، والله ما احتاجوا إلى أحد بعد ذلك.
(فقاتلوا)، إذاً: قتال الباغي واجب على المسلمين، لكن من الذي يقاتل؟ المعتدى عليه عاجز عنه، وهل دولة تتحمل هذا القتال؟ فإنها لا تقدر، ولا تستطيع، وقد يكون الباغي أقوى منها، وقد يكون ذلك من باب التدخل في شئون الآخرين، لكن باسم الأمة الإسلامية، وباسم ردع الباغي، وتمويل القتلا يكون على جميع الأمة الإسلامية، ويعسكر فيما تختاره الأمة العربية، ولا يكون خاضعاً لقيادة دولة معينة حتى لا يكون جيش احتلال.
فلو نفذ هذا من تاريخ عام ثلاثة وثمانين إلى الآن، وهو ما يقارب حوالي تسعة عشر عاماً لانعكست الحال تماماً.
إذاً يا إخوة: لو أخذنا هذه الآية: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا}[الحجرات:٩]، ليس كهيئة الأمم يستخدم فيها حق الفيتو فينقض القرار العادل لمصلحة جهة من الجهات، لا {بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي: لوجه الله، وتنفيذاً لأمر الله.