في الآية (٢٥) من سورة الأحزاب، حكى الله مجيء قريش بأحلافها، وتحزبوا على أهل المدينة ليبيدوهم عن آخرهم، ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم وشاور أصحابه أشار عليه سلمان الفارسي قائلاً: كنا إذا حُوربنا خندقنا، فأخذ بالفكرة وحفر الخندق.
وفي هذا العمل النبوي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم -وهو يأتيه الوحي من الله- بخبرة عسكرية فارسية، ولذا يقول والدنا رحمة الله تعالى علينا وعليه، عند قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:٩]: ومن الأقوم أن يعمل ولي أمر المسلمين على حفاظ الإسلام والمسلمين: بلادهم، أموالهم، أعراضهم، دماءهم، وكل ممتلكاتهم، وله أن يستعين بخبرة أي إنسان ولو كان كافراً.
هذه فكرة الخندق لم تكن العرب تعملها، ولذا لما جاءت قريش وجاء عمرو بن عبد ود وهو من كبار شجعان العرب، قال: إنها لمكيدة ما كانت العرب تعرفها.
وتقدمت الإشارة أيضاً إلى الاستعانة بخبرة خريت الطريق عبد الله بن أريقط، وكان على دين قومه، فائتمناه على الرواحل وأن يأتيهما على الموعد بعد ثلاثة أيام، أي: أنهما ائتمناه على أنفسهما، وعلى الدعوة؛ لأنه رجل أمين وفي، ما قالوا: هذا رجل مشرك لا نستعين بخبرته.
وكذلك لما همّ النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن الغيلة، والغيلة هي: أن ترضع المرأة طفلها وقد حملت بأخيه من بعده، يعني: رضاع لبن الحمل؛ لأن العرب كانت تقول: إن الطفل إذا رضع من لبن الحامل كان لين العظام؛ لأن الحمل يخلخل حليب الأم.
وكانوا يقولون: فوارس لم يغالوا في رضاع فتنبو في أكفهم السيوف يمتدحون ذلك، معناها: أن الذين رضعوا من الحامل لا تتماسك السيوف في أيديهم، أما الذين لم يرضعوا من حامل فهم أقوياء أشداء، فالسيوف في أيديهم لا تخطئ ولا تبعد الرمية.
قال:(هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت فإذا فارس والروم يغيلون ولا يضر أولادهم شيئاً)، إذاً: استفاد من تجارب الآخرين وترك النهي عن الغيلة.
فهنا أشار سلمان رضي الله تعالى عنه بعمل الخندق، وجاء المشركون وكانت النتيجة {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[الأحزاب:٢٥].