وهنا ناحية أدبية: إذا كان تكلف المضيف لضيفه وقرب إليه الشاة، واستطاع الضيف أن يخفف على مضيفه مئونة الضيافة، فإن هذا من كرم الأخلاق، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام كما يقول أبو هريرة.
إني لأُصرع من الجوع ويمر بي فلان وفلان، وينظر إليَّ ولا يدري ما بي، حتى مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أبا هر ماذا بك؟ فنظرت إليه، وقال: بك الجوع، قلت: بلى يا رسول الله، قال: الحق، وجئنا إلى عمر، فقال: يا عمر ما الذي أخرجك؟ قال: أخرجني الجوع، قال: الحق، ومر بفلان وفلان، قال: ومشى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائط فلان، فسأل عنه رسول الله، فقال أهله: ذهب يستعذب لنا الماء.
ولم تكن المياه العذبة متوفرة في المدينة، وكان أحسن بئر في المدينة به ماء عذب بئر رومة، الذي يسمونه بئر عثمان، وكان لرجل يهودي وكان يتحكم في بيع الماء، فقال صلى الله عليه وسلم:(من يشتري بئر رومة وله الجنة؟) فذهب عثمان، وساومه على البئر فأبى، فاحتال له عثمان وقال: بعني نصفه بقيمته، فوافق.
فكان يوماً لـ عثمان ويوماً لليهودي، وهذه قسمة عادلة، فقام عثمان ونادى في المدينة، اليوم الذي لي أبيحه للجميع يأخذونه في سبيل الله، فكان الناس يأخذون الماء مجاناًً في يوم عثمان، وفي يوم رومة يبيعه لهم، فصاروا يأخذون في يوم عثمان ما يكفيهم ليومين، ثم ساوم اليهودي عثمان على أن يشتري النصف الآخر ولو بربع الباقي، فاشتراه عثمان وصار بئر عثمان.
قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، ثم ما لبث أن جاء وقال: ما رأيت أكرم ضيوفاً مني اليوم؛ رسول الله وأصحابه، فذهب فقطع تمراً من نخله، ووضعه أمامهم، وأخذ الشفرة وذهب ليذبح، فقال له رسول الله: تجنب الحلوب وذات الولد، فوجهه وأرفق به؛ لأن الحلوب تحلب لأصحاب البيت، وذات الولد ترضع ولدها، فذهب وذبح غير الحلوب وغير ذات الولد، وشوى وطبخ وقدم لرسول الله وأصحابه، ثم قال رسول الله:(والله لتسألن يومئذ عن النعيم، ظل بارد ورطب وتمر ولحم وماء عذب، والله لتسألن يومئذٍ عن النعيم.
نسأل الله تعالى أن يتم علينا نعمه، وأن يوزعنا شكرها، نسأل الله العلي القدير أن يديمها لنا وأن يتمها علينا وأن يوزعنا شكرها، وأن يجعلها عوناً لنا على طاعته.
فهنا قال: (رد الشفرة وائت بالإناء) وهنا قال له: (واذبح وتجنب ذات الضرع والولد) لقائل أن يقول: إنما وجد في الخيمة امرأة، والمرأة لها رجل، والمال مال الرجل في الغالب؛ فلعله صلى الله عليه وسلم لم يرد أن تتصرف المرأة في مال زوجها في غيبته، بينما الذي ذبح في البستان صاحب المال.
وكذلك أم معبد تقول: ونحن في حالة قحط وضعف، فلذلك يذبح شاتهم، لكن هذا في بستان ونخيل وثمار وبه ذات الولد وغيرها، فالحال هنا حال يسار، فلا مانع أن تقبل مكرمة مضيفك إذا كان ذا يسار، لكن لا كما يفعل البدو في البادية من تعنت وتعصب وأنه لابد أن تذبح للضيف.