[نزول النبي على أم معبد والأحكام المستفادة من ذلك]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد تقدم الكلام عن الهجرة إلى أن وصلنا إلى الغار، وما كان من أحداث خارجه وداخله، وأثر السكينة التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيده بجنود لم تروها، واستعراض ذلك على سبيل الإجمال، وإنزال السكينة في جميع الأزمات من بداية الهجرة إلى بدر، والأحزاب، والحديبية، وحنين، وفي المقابل إنزال الرعب في قلوب الأعداء، وأن السكينة هي أقوى عوامل النصر، والرعب والهلع هو أشد عوامل الهزيمة.
كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه قد أعطى عبد الله بن أريقط الديلي راحلتين، وواعده بعد ثلاثة أيام لكي يأتي بهما إلى غار ثور، فجاء على الموعد، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حينما انقطع الطلب عنهم، فقدم أبو بكر رضي الله تعالى عنه خير الراحلتين للرسول صلى الله عليه وسلم، وهي الناقة القصواء التي ظلت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله:(لا أركب جملاً ليس لي، قال: هي لك يا رسول الله، قال: الثمن! قال: هي لك من عندي، قال: الثمن! قال: إني اشتريتهما بثمانمائة درهم، قال: هي عليَّ بذلك).
فركب صلى الله عليه وسلم ناقته، وركب أبو بكر ومضى ابن أريقط يقود الركب ويسير بهم في طريق غير مأهول.
وعامر بن فهيرة الذي كان يأتي بالغنم في الليل ليسقيهما من اللبن، ويمحو أثر عبد الله بن أبي بكر قال: أنا أرافقكما؛ فاصطحباه معهما لخدمتهما، وكان أبو بكر رضي الله تارة يمشي وتارة يركب، فيتعاقب على الجمل هو وعامر بن فهيرة، وانفرد صلى الله عليه وسلم براحلته، ومضيا على بركة الله.
وأخذ الدليل بهما إلى جهة الساحل، وكانت عادة أهل مكة إذا أرادوا قصد المدينة أن يبتعدوا عن الساحل؛ لأن الاقتراب من الساحل يطيل عليهم السفر، ولهذا خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة في الحج في تسعة أيام، لكن رحلة الهجرة ظلت خمسة عشر يوماً؛ لأنه أخذ بهم طريقاً غير مأهول.
ويمكن أن نقول: إن الترتيبات للهجرة قد انتهت إلى الخروج من الغار، ولكن بقيت أحداث الطريق، وتلك الأحداث بمثابة معالم على الطريق.