ثم أسلم حمزة، وكان إسلامه على أمر عجيب أيضاً! فـ حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم شاب قوي ذو حمية، كان من أهل القنص، والذي يهوى القنص والصيد لا يكون إلا صاحب الفروسية النشط من الشباب، وكان إذا خرج إلى قنصه ورجع قبل أن يذهب إلى بيته يأتي إلى الكعبة، فيطوف بها ويسلم على الأندية أو على مجموعات حول الكعبة من قريش فإذا سلم عليهم ذهب إلى بيته.
وفي يوم من الأيام جاء من قنصه متوشحاً قوسه ومر على محل الصفا الآن فإذا بأمة تقول: يا أبا عمارة: لو سمعت ما لقي ابن أخيك من أبي الحكم؟! أبو الحكم هو أبو جهل، كان كنيته عند قريش أبو الحكم، والرسول كناه أبا الجهل؛ قالت: لقد أسمعه ما يؤذيه وما أجاب محمد بشيء، ومضى لسبيله، انظر الحكمة! يسبه ويتكلم عليه وهو لم يجبه بشيء.
فذهب أبو عمارة ووقف على أبي جهل في نادي قومه، وقال: أبلغ بك أن تؤذي ابن أخي وتسمعه ما يكره، أما علمت أني على دينه؟ وضربه بالقوس على رأسه فشجه، ثم قال: فُردّ عليّ قولي إن استطعت؟! قال: أنا على دينه، وقبل هذا ما كان على دينه لكنها إرادة الله، إذا أراد كرامة إنسان سبب له الأسباب، واستمر حمزة على ذاك، كان أولها حمية لابن أخيه، ولكن صارت هداية إلى النهاية.
فلما ضرب أبا جهل وهو سيد القوم وفي وسط ناديه قام نفرٌ ليكفوا حمزة عنه قال: دعوا أبا عمارة، فإني والله قد أغلظت القول لابن أخيه، اعترف بخطئه! فلما أسلم حمزة رضي الله تعالى عنه سأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: هو مختف في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فذهب إليه.
إنها إرادة الله تسير القدر لهذا الكون وفق الخطة التي رسمها المولى سبحانه قبل أن يوجد هذا العالم، الدولة اليوم عندما تجتهد تضع ميزانية وتقول: الخطة الخماسية أي: مقيدة بخمس سنوات؛ ماذا نفعل فيها؟ وتنفذها سنة سنة، خطوة خطوة، المولى سبحانه وضع خطة العالم قبل أن يخلقه -كما جاء في بعض الروايات- بخمسمائة عام.