للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإخاء في ظل شريعة القرآن]

القرآن الكريم في تشريع الإخاء رد الأفراد إلى الأصل، فإذا كنت أنا أخاك وأنت أخي، إذاً أنا وأنت من أصل واحد، يبقى النتيجة أن نتآخى أو نتعادى، ثم جاء إلى هذا الأصل وأبعد عنه عوامل تقطيعه، ومن جانب آخر سلط عليه روافد تغذيه.

وأنتم تعلمون في زراعة الشجرة أنه توضع بذرة صغيرة، ثم إنك تراقبها دائماً، وتنظر إليها إذا نبت نبات آخر فتأخذه، وإذا كان هناك حشرة حولها تقتلها، ودائماً تتعاهدها بالماء لماذا؟ تحافظ عليها مما يضرها، وتمدها بما ينميها، وهكذا كل مشروعٍ في العالم.

فهذه الشجرة شجرة الإخاء وجدنا القرآن الكريم يحوطها بسياج الحفاظ عليها، ويمدها بأنواع الغذاء الذي ينميها، ويحوطها مما يضرها، انظر إلى ألواح العداوة فيه كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) فحرّم الإسلام على المسلم دم أخيه وعرضه وماله، يعني: سدّ عليه أبواب النزاع؛ لأن النفوس لا تتشاح إلا في واحدة من هذه الثلاث.

بل كما قيل: الضروريات الخمس، حفظ المال وجعل فيه حد القطع، وحفظ الأنساب وجعل فيه حد الرجم والجلد، وحفظ الأعراض وجعل فيه حد القذف، وحفظ الدماء وجعل فيه القصاص، وحفظ العقول فشرع حد الخمر، وحفظ الدين وجعل فيه القتل للردة.

فحفظ على المسلمين كل ما به قوام وجودهم، فإذا حفظ عليهم أديانهم ودماءهم وأموالهم وعقولهم وأعراضهم وأنسابهم وأموالهم، وأصبح كل في حده لا يعتدي على الآخر، فلن يقع بين الناس نزاع.

ثم يقول الله في هذا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات:١١]، وأيضاً: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات:١٢]، فرتب ثلاثة أمور: لا تظن السوء بأخيك، وإن غلب عليك الشيطان وأدخل إلى ذهنك ظن السوء فلا تتجسس حتى تتأكد مما ظننت، فإن تجسست ووقفت على مكروه، فلا تنقل بذلك وتغتابه عند الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>