وموقف الصديق رضي الله تعالى عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآية الكريمة في وصف الموقف:{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:٤٠]، وأشرنا إلى النقطة البلاغية الكريمة في المعية، عند قوله:{إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.
على أن هناك موقفاً آخر للكليم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حينما أمر أن يخرج بقومه ويسير بهم، قال: وإلى أين؟ قال: في ظل السحابة أينما سارت، فخرج وإذا بالسحابة تسير حتى ساقتهم إلى ساحل البحر.
ولما خرج بنو إسرائيل ليلاً وعلم فرعون بخروجهم، بات في المدائن يجمع جنده، فسار على إثرهم، فإذا بموسى ومن معه بين خطرين، البحر أمامهم والعدو وراءهم، فأيقن القوم بالهلاك، فقالوا: إنا لمدركون، لا طريق أمامنا، وهذا العدو وراءنا، ولكن نبي الله موسى الذي خرج بأمر من الله موقن بنصر الله فقال: كلا -ولو نطقت بكلمة كلا أربع أو خمس مرات لأحسست بالآلام؛ لأنها كلمة قوية يزلزل صوتها الفم- {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:٦٢] أي: سيدلني، وأشرنا إلى الفارق بين (إن الله معنا)، و (إن معي ربي)، بأن موقف الصديق رضي الله تعالى عنه كان جزءاً من المسئولية في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أعد الرواحل، وكان يصحبه في عرضه على القبائل، وهيأ له الطريق، وخرج معه رفيق الهجرة.
ولما خرج كان تارة يسير أمامه، وتارة وراءه، فيسأله: ما لي أراك يا أبا بكر هكذا؟ فيقول: أتذكر الرصد فأكون أمامك، وأتذكر الطلب فأكون وراءك، فقال له: أتريد لو كان شيء يكون فيك يا أبا بكر؟ قال: بأبي أنت وأمي، إن أهلك وحدي فأنا فرد من الناس، أما أنت فمعك الرسالة.
فـ أبو بكر يسهم في الحفاظ على رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، كما أشرنا في قصة سراقة لما لحقهم فكان منهم قاب قوسين، فأنذر أبو بكر رسول الله، قال:(الطلب أدركنا يا رسول الله، وبكى، قال: ما الذي يبكيك يا أبا بكر؟ قال: والله لا أبكي على نفسي ولكن عليك أنت ... ) من هنا كان قد تحمل جزءاً من مسئولية الهجرة، وكان له شق من تلك المعية {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:٤٠].
ولم يكن في قوم موسى من يعادل أبا بكر مع رسول الله لما جاء الفرج وخرجوا من البحر {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}[الأعراف:١٣٨] أعوذ بالله من الشيطان! الآن ما خلصكم إلا التوحيد وحده، فهل الأصنام هي التي أنجتكم من فرعون، وجلعت الماء جامداً والطريق يابساً؟ سبحان الله العظيم! إذاً: لم يكن في قوم موسى من يعادل أبا بكر رضي الله تعالى عنه.