وأما القسم الثاني: فهي عبودية قهر وغلبة، وهي عبودية الطغاة والعتاة الفجار، فقد قهرهم الله فلا يسعهم أحد منهم الخروج عن مشيئته وقدرته النافذة فيهم أبدًا، ذلك لأن أمره سبحانه نفذ فيهم، وأن افتقارهم لخالقهم وبارئهم لا غنى لهم عنه البتة لأن قوام حياتهم به - سبحانه.
٤ - أن أعظم الخلق عبودية الأنبياء والمرسلين يتقدمهم أولو العزم من الرسل، وأفضلهم بل وأفضل الخلق أجمعين وأكملهم عبودية لله هو خاتم النبين والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
٥ - أنه لمّا كانت عبودية الأنبياء والمرسلين هي أعلى مقامات العبودية، فإنه رتبة عبودية أتباعهم تلي رتبتهم في المكانة والفضل والسبق وفي مقدمتهم أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير أصحاب لخير نبي- رضوان الله عليهم أجمعين.
٦ - أنه لمًا كان وصف العبودية من أجلِّ الأوصاف فقد وصف الله به نبيه وصفيه وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه - نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في أرفع المقامات وأجلِّها.
٧ - أن الكون كله علويه وسفليه بجميع مخلوقاته خضع لسلطانه سبحانه وانقاد لأمره طائعًا، وقد أعطى الله الكائنات والجمادات إدراكًا خاصة تدرك وتميز به عبوديتها لله، فهي تعظم الله وتسبحه وتسجد له وتخشع وتخضع لأوامره سبحانه على الحقيقة على وجه أعلمها الله إياه - سبحانه.
٨ - أنه ينبغي على الإنسان الذي سخر الله له ما في سماوته وما في أرضه التفكر في عظمة خالقه والانقياد لأمره والخضوع والتذلل له سبحانه والإقبال عليه بمحض إرادته شكرًا لنعمائه واعترافًا له بإحسانه وإفضاله، وعدم التمرد والخروج عن عبوديته اختيارًا، وإلا فإنه مقهور ومغلوب على أمره لضعفه ولا يسعه أن يخرج عن أمر خالقه النافذ فيه بعبوديته له سبحانه وتعالى غلبة وقهرًا.
٩ - أن من دواعي وعوامل الثبات على عبودية الله تعالى التفكر في عبودية الكائنات التي خضعت وخشعت وسجدت لخالقها وباريها.