للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويشهد لذلك من السنة ما ثبت عند مسلم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَضَحِكَ، فَقالَ: هلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ قالَ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: مِن مُخَاطَبَةِ العَبْدِ رَبَّهُ يقولُ: يا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قالَ: يقولُ: بَلَى، قالَ: فيَقولُ: فإنِّي لا أُجِيزُ علَى نَفْسِي إلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قالَ: فيَقولُ: كَفَى بنَفْسِكَ اليومَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الكَاتِبِينَ شُهُودًا، قالَ: فيُخْتَمُ علَى فِيهِ،

فيُقَالُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قالَ: فَتَنْطِقُ بأَعْمَالِهِ، قالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بيْنَهُ وبيْنَ الكَلَامِ، قالَ فيَقولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ. (١)

* مشاهد من عبودية محبةِ جبلِ أحد لرسولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذِه طَابَةُ (المدينة)، وَهذا أُحُدٌ، وَهو جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". (٢)

في روايةٍ أخرى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اثبتْ أُحدٌ فإنّ عليك نبيٌّ وصدِّيقٌ وشهيدان". (٣).

فسبحان من أنطق الجوارح كلها لتشهد على صاحبها، أنطق اليدين و أنطق القدمين وأنطق السمع والأبصار والجلود.

[المطلب السادس: مشاهد من عبودية الطعام وتسبيحه]

الطعام يقدس الله تعالى ويسبحه، فقد ثبت عند البخاري منْ حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ: «اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ». فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ: «حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ المُبَارَكِ، وَالبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ»، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ". (٤)

وبعد هذا البيان يتضح للمتأمل عبودية المخلوقات كلها لربها جل في علاه، العوالم كلها علويها


(١) - رواه مسلم: (٢٩٦٩).
(٢) - رواه مسلم: (١٢٩٢).
(٣) - فتح الباري: (٧/ ٣٨).
(٤) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، رقم: (٣٥٧٩).

<<  <   >  >>