للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ووفود الجن تلقوا العلم من النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك كانت بداية معرفة الجنّ برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، استمعوا لقراءَة القرآن بدون علم الرسول صلى الله عليه وسلم، فآمن فريق منهم، وانطلقوا دعاة هداة.

ثمّ جاءَت وفود الجنّ بعد ذلك تتلقى العلم من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من وقته، وعلمهم مما علمه الله، وقرأ عليهم القرآن، وبلغهم خبر السماء … وكان ذلك في مكة قبل الهجرة.

روى مسلم في صحيحه عن عامر، قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود، فقلتُ: هل شهد أحدٌ منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، ففقدناهُ، فالتمسناهُ في الأودية والشعابِ، فقلنا: استطير أو اغتيل، قال فبتنا بشر ليلة بات بها قومٌ، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء، قال: فقلنا: يا رسول الله! فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلةٍ بات بها قومٌ. فقال: (أتاني داعي الجنّ، فذهبتُ معه، فقرأتُ عليهم القرآن). قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد، فقال: (لكم كلُّ عظمٍ ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم؛ أوفر ما يكون لحمًا. وكل بعرةٍ علفٌ لدوابّكم). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعامُ إخوانكم) " (١).

[قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير سورة الرحمن]

"هذه السورة و " الأحقاف " و " قل أوحي " دليل على أن الجن مخاطَبون مكلَّفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء، مؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك. " (٢)

[قال ابن القيم -رحمه الله-]

وبالجملة: فهذا أمر معلوم باضطرار من دين الإسلام، وهو يستلزم تكليف الجن بشرائع، ووجوب اتباعهم لهم، فأما شريعتنا: فأجمع المسلمون على أن محمَّدًا صلى الله عليه وسلم


(١) - رواه مسلم: ١/ ٣٣٢. ورقمه: ٤٥٠. وانظر عالم الجن والشياطين: (١: ٤٥).
(٢) -تفسير القرطبي: (١٧/ ١٦٩).

<<  <   >  >>