فإن هذا الكون الفسيح، وهذا العالم كله بعالمه العلوي والسفلي خاضع لسلطان الله ولا يسع أيُّ أحدٍ فيه- كائنًا من كان- الخروج عن ربوبية الله التي قهر بها كل مخلوقاته، ثم إنه سبحانه قد سَخَّر لهذا المخلوق-الإنسان-الضعيف كل ما في السموات وما في الأرض ليتهيأ لعبادة الله وليتفكر في عظمة خالقه ويتأمل كيف قهر الله كل هذه المخلوقات، وأنه جزءٌ لا يتجزَّأ مِن هذا العالم وتلك المصنوعات، وأنه من أضعفها وأفقرها إلى خالقها وبارئها، وأن طاعته لله تنسجِم مع طاعة كلِّ تلك الكائنات،
ووا أَسَفاه على كل من انتكب الصراط وتمرد على الله من جهلة بني آدم ممن طمس الله فِطَرهم وَسَكَّرَ نورَ الحق عن بصائرهم فغشَّاها ظلام الجهل والإعراض والصَّد عن سبيل الله، ممن عطلوا نعمة العقل والفهم والإدراك ولم يتفكروا في عبودية الكائنات من حولهم لبارئها وانصياعها لأمره وخضوعها لسلطانه، فلم يسيروا وفق منهج عبودية الكون لله منسجمين مع جميع تلك المخلوقات.
ولقد ذم الله تعالى الذين عطلوا تلك النعم العظيمة فقال سبحانه فيهم:(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)(الأعراف: ١٧٩).
وهذا البحث هو مجرد دعوى لإعادة النظر وإعمال القلب وفتح مسامعه لإعادة التفكر في عظمة الله وفي إخضاعه- سبحانه- جميع العوالم علويها وسفليها لسلطانة وجبروته وقهره وقوته وعظمته، وبذلك ينتبه القلب من غفلته ويرجع ويؤب هذا المخلوق الفقير إلى الله من كل الوجوه، الضعيف الذي لا حولا ولا قوة له إلا بخالقه سبحانه، فيعود ويؤوب إلى حظيرة الإيمان، ويرسخ في نفسه اليقين، ويغلب عليه جانب الخشية، فيعرف للخالق العظيم قدره ويعظمه حق تعظيمه ويعبده حق عبادته، وكلما كان الإنسان أكثر إعمالًا لعقله وفكره وكان أكثر تأملا في عبودية جميع المخلوقات لله، كان كل ذلك أدعى لتحقيق معرفته بالله والعلم به جل في علاه، وهذه