[المبحث الأول: عبودية الكائنات لله عبودية طاعة وانقياد]
وفيه ثلاثة مطالب:
[المطلب الأول: غني الخالق عن خلقه، وافتقار جميع خلقه إليه]
إنَّ الله تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ومن أسمائه الحسنى (الغنيٌّ) فهو غنى عنى تام عن جميع خلقه، وهم فقراء إليه سبحانه فقرًا تامًا، قال سبحانه:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(فاطر: ١٥).
"بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه غني عن خلقه، وأن خلقه مفتقرون إليه، أي: فهو يأمرهم وينهاهم لا لينتفع بطاعتهم، ولا ليدفع الضر بمعصيتهم، بل النفع في ذلك كله لهم، وهو جل وعلا الغني لذاته الغنى المطلق". (١).
لقد ذلَّ كل شيءٍ لخالقه - سبحانه- وأسلمَ طوعًا وكرهًا، أما أهل الإيمان فقد استسلمَوا له وانقادوا لأوامره بظواهرهم وبواطنهم طوعًا، وأما أهل الكفر والجحود والنكران فقد استسلموا له كرهًا قهرًا وغلبة كما قال - سبحانه- (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(آل عمران: ٨٣).
فالكون كله خاضع لعبودية الله الواحد القهار لا ينفك أحدُ من خلقه عن عبوديته قهرًا وغلبة.
والكون بأسره خاشع خاضع لكبريائه وعظمته، إذ هو مشغولٌ بخضوعه وذله لربِّه، ولذا ترى الكون كله معظمًا له ساجدًا خاشعًا مسبحًا منزهًا لربه جل في علاه.
ومع ذلك كله ترى جحود الإنسان هذا المخلوق الضعيف، بل هو من أضعفُ المخلوقات وأفقرها إلى ربها، تراه معرضًا عمن لا غنى له عن فضله ورحمته طرفة عين ولا أصغر من ذلك، مُعَرِّضًا بذلك نفسه الضعيفة لسخط جبار السماوات والأرض ومقته وغضبه وعذابه وأليم عقابه.