طرف من أخبارهم في القرآن، كمؤمن آل فرعون، ومؤمن آل ياسين، وكذلك سحرة فرعون الذين آمنوا بموسى عليه السلام واتبعوه، وكذلك أصحاب الكهف، وغلام الأخدود والذين آمنوا معه، وغيرهم كثير كعلماء كل أمة لأنهم ورثة الأنبياء.
ثم تليهم رتبةَ، رتبةُ المنعمِ عليهم المذكور شأنُهم في سورة النساء بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام أجمعين في قوله تعالى:(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)(النساء: ٦٩)، وإن كان من سبق ذكرهم يدخل في جملة تعداد المنعم عليهم، وهذا محض فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، ثم يليهم رتبة في العبودية، رتبة عموم الخلق كل بحسب تحقيق عبوديته لخالقه ظاهرًا وباطنًا.
[المطلب الثالث: عبودية عموم الخلق]
وإن الكلام على عبودية عموم الخلق قد سبق بحثه وهنا نشير إليه - مقتضبًا- فحسب.
وقد قال الله تعالى:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)(الذريات: ٥٦)، وهذا يشمل جميع المكلفين من عموم الثقلين
كما أنه قد مر معنا في طيات البحث أن عموم الخلق يشملهم وصف العبودية، فمنهم منهم من أقبل على عبودية الله طائعًا مختارًا، ومنهم من شرد عن عبودية الاختيار فقهره الله بعبودية القهر والغلبة التي لا تنفك عن أهل الجحود والنكران، كما أن عبودية الطاعة والاختيار تميز به عباد الله الأبرار.
أما أهل عبودية الاختيار: فاندرجوا بتلك العبودية تحت عبودية توحيد الألوهية، فألَّهوا ربهم وعبدوه وعظموه وعبدوه خوفًا وطمعًا، ورغبًا ورهبًا.
وأما أهل عبودية الغلبة والقهر: فإنهم خرجوا عن مسمى الألوهية فَغُلِبوا وقُصِرُوا قَهرًا تحت مسمى الربوبية.
من هنا يتجلى الأمر ويتضح أن الخلق جميعًا شاء أم أَبَوا كلهم عبيد لله، فإن أقبلوا على ربهم طائعين مختارين فقد حازوا شرف السبق واندرجوا تحت عبودية التكريم والتشريف، وإن انتكبوا الصراط وامتنعوا عن قبول كرامة الله والدخول تحت مسمى تلك العبودية فإن الله قد قهرهم وغلبهم على أمرهم وقصرهم على عبودية القهرة والغلبة ذليلين صاغرين لأنه- سبحانه- هو خالقهم ورازقهم ومحيهم ومميتهم وباعثهم ومحاسبهم ومجازيهم على أعمالهم، فليس لهم من مهرب ولا مفر ولا محيص عن تلك العبودية ولا انفكاك لهم عنها بحال من الأحوال.