للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول سبحانه: (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ ?بَل لَّهُ? مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ? قَانِتُونَ) [البقرة: ١١٦].

وفي بيان معنى القنوت الوارد في قول الله تعالى: (كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ)

[يقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله-]

«وأولى معاني القنوت في قوله: (كُلٌّ لَّهُ? قَانِتُونَ) الطاعة والإقرار لله عز وجل بالعبودية بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة، والدلالة على وحدانية الله عز وجل، وأن الله تعالى ذكره بارئها وخالقها، وذلك أن الله جل ثناؤه أكذب الذين زعموا أن لله ولدًا بقوله: (لَّهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة: ١١٦] ملكًا وخلقًا، ثم أخبر عن جميع ما في السماوات والأرض أنها مقرة بدلالتها على ربها وخالقها، وأن الله تعالى بارئها وصانعها، وإن جحد ذلك بعضهم فألسنتهم مذعنة له بالطاعة بشهادتها له بآثار الصنعة التي فيها بذلك، وأن المسيح أحدهم، فأنَّى يكون لله ولدًا وهذه صفته؟!» (١).

ويقول الله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) [آل عمران: ٨٣]

[قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-]

«فذكر إسلام الكائنات طوعًا وكرهًا؛ لأن المخلوقات جميعها متعبّدةٌ له التعبد العام، سواءٌ أقر المقر بذلك أو أنكره، وهم مدينون له مُدبّرون، فهم مسلمون له طوعًا وكرهًا، ليس لأحد من المخلوقات خروجٌ عما شاءه وقدّره وقضاه، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو رب العالمين ومليكهم، يُصرّفهم كيف يشاء، وهو خالقهم كلّهم، وبارئهم ومُصورهم، كل ما سواه فهو مربوب مصنوعٌ مفطورٌ، فقيرٌ محتاجٌ معبَّد مقهورٌ، وهو سبحانه الواحد القهار الخالق البارئ المصوّر» (٢).

المطلب الثاني: القسم الثاني من أقسام العبودية "عبودية الاختيار والانقياد والطاعة والمحبة"


(١) تفسير الطبري: (١/ ٥٠٧ - ٥٠٨).
(٢) العبودية (ص ١٤٥).

<<  <   >  >>