ويقرر ابن القيم -رحمه الله- أن:«العبودية نوعان: عامة وخاصة».
ثم يقول -رحمه الله-:
«وأما النوع الثاني: فعبودية الطاعة والمحبة واتباع الأوامر، كما قال تعالى:(يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)[الزخرف: ٦٨]، وكما قال تعالى:(فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)[الزمر: ١٨، ١٧]، وقال:(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلَامًا)
[الفرقان: ٦٣].
فالخلق كلهم عبيد ربوبيته، وأهل طاعته وولايته هم عبيد ألوهيته» (١).
[وأهل هذه العبودية]
أقبلوا على ربهم وخالقهم ورازقهم طائعين منقادين لعبوديته سبحانه، مطيعين لأوامره بمحض إرادتهم واختيارهم، فهي عبودية محبة وانقياد وطاعة وذل وخضوع، وقد نسبهم الله إليه نسب تكريم وتشريف فقال في حقهم:(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلَامًا)[الفرقان: ٦٣].
وهذه العبودية خاصة بالمؤمنين الذين يطيعون الله تعالى باختيارهم وإرادتهم لا يشاركهم فيها أحد من الكفار الذين خرجوا عن شرعه وتمردوا على أوامره ونواهيه. فنالوا بذلك عز الدنيا وشرفها وكرامة الآخرة وفضلها وأجرها.
والخلق في هذه العبودية ترى بينهم بونًا شاسعًا، وهم متفاوتون فيها تفاوتًا كبيرًا وعظيمًا؛ فكلما كان العبد محبًّا لربه متبعًا لأوامره، منتهيًا عن نواهيه، منقادًا لشرعه، خاضعًا لسلطانه، كان تحقيقه لعبودية ربه أجل وأعظم وأكمل.
وأعظم الناس تحقيقًا لمقام العبودية هم صفوة خلقه وأمنائه على وحيه وسفرائه بينه وبين عباده من النبين والمرسلين، وأعبدهم لله أجمعين هو سيدهم وإمامهم وأفضلهم وخاتمهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولذا خُص بالذكر بوصف العبودية مجردة في كتاب الله في أشرف المقامات وأعلاها وأزكاها، سبحانه:(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا)[الكهف: ١] وهذا في مقام الوحي وهو من أشرف