للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب السادس: عبادة الملائكة]

وبعد هذا البيان الوارد في شأن الملائكة الكرام من وصفٍ لخلقتهم ومكانتهم وشرفهم وقدرهم عن ربهم وما وِكِلَ إليهم من مهام عظام وأعمال كبيرة جسام، فهم مع ذلك كله مربوبون مسخرون لخالقهم مطيعون غير خارجين عن أمره وعن طاعته وعبادته، فهم مفطورون على العبادة، ومجبولون عليها، والعبودية وصفٌ لازم لهم، وهم من أشرف الخلق وأكرمهم على ربهم سبحانه وتعالى، وقد وُصِفُوا في كتاب الله بأشرف وصف كما قال سبحانه: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (الأنبياء: ٢٦ - ٢٧).

وقال الله تعالى في وصف طاعتهم المطلقة له سبحانه بأنهم: (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). (االتحريم: ٦).

وقال في وصف عبادتهم وذكرهم له سبحانه: (وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء: ١٩، ٢٠).

وقال سبحانه: (وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (الشورى: ٥).

ووُصِفُوا بأنهم يخافونه سبحانه من فوقهم؛ كما قال ربنا: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [النحل: ٥٠]، وَوُصِفَت خشيتُهم له سبحانه في قوله تعالى: (وَهُمْ مشْفِقُونَ) (الأنبياء: ٢٨) ووُصِفَ ذُلُهم وخُضُوعُهم وصنوفُ عباداتهم لله في قوله سبحانه:

(إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) [الأعراف: ٢٠٦]،

وقد ثبت عند البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فُزِّعَ عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير) (١).

ومن مشاهدة عبوديتهم وصلاتهم يوميًا في الملأ الأعلى ودخولهم البيت المعمورة للصلاة فيه ما ثبت في الصحيحين حديث منْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ - رضي الله عنهما-،


(١) - البخاري): ٤٨٠٠).

<<  <   >  >>