للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن شواهد غنى الرب عن خلقه وفقرهم التام إليه جل في علاه قوله سبحانه في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا). (١)

ومع فقر الإنسان ترى الكون من حوله كله قد دانَ لله تسبيحًا وتعظيمًا وإجلالًا، أرضه وسمائه، وحشه وطيره، كل الكائنات تُصلِّي لله وتخضع.

[المطلب الثاني: سجود جميع الكائنات لله وخضوعها لسلطانه]

إن عموم الكائنات العلوية والسلفية خاضعة لسلطان الله تعالى لا تنفك عن عبوديتها لخالقها.

وله تسجُد ولعظمته تذل وتخشع كما قال سيحانه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج: ١٨).

"أي: يخضع خضوعًا مطلقًا كل من في السماوات والأرض؛ طوعًا أو كرهًا.

والسجود طوعًا هو بإرادة العبادة من العقلاء المختارين؛ والسجود كرهًا؛ أي: بحكم الخضوع المطلق لإرادة المنشئ للكون الواحد القهار". (٢)

"وهذه آية إعلام بتسليم المخلوقات جميعها لله تعالى وخضوعها". (٣)

[يوضح شيخ الإسلام مفهوم سجود الكائنات فيقول -رحمه الله-]

"وَالسُّجُودُ مَقْصُودُهُ الْخُضُوعُ، وَسُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ سُجُودًا يُنَاسِبُهَا وَيَتَضَمَّنُ الْخُضُوعَ لِلرَّبِّ". (٤)

ويقول -رحمه الله- أيضًا -:


(١) - رواه مسلم (٢٥٧٧) من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
(٢) - زهرة التفسير: (٩/ ٤٩٦٠).
(٣) - تفسير ابن عطية: (٦/ ٢٢٦).
(٤) - مجموع الفتاوى (١/ ٤٥).

<<  <   >  >>