للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" (ألم يأتكم) أي: في الدنيا، (رسل منكم يقصون عليكم آياتي) أي: بالأمر والنهي (وينذرونكم) يخوفونكم: (لقاء يومكم هذا) وهو يوم الحشر الذي قد عاينوا فيه أفانين الأهوال) قالوا): يعني الجن والإنس: (شهدنا على أنفسنا) أي: أقررنا بإتيان الرسل وإنذارهم، وبتكذيب دعوتهم. " (١) ولا شك أن إقرار المؤمنين منهم هو عين العبودية.

لأنه إقرار بأن رسل الله قد أبلغت رسالات ربها وأوضحت السبيل وأنذرت، وأما إقرار الكفار- فهو إقرار اعتراف بعد إقامة الحجة عليهم، فهو إقرار عبودية قهر وغلبة -، لا إقرار عبودية انقياد وخضوع وذل وإذعان.

وأن منهم المؤمن والكافر والبر والفاجر كما قال الله عزّ وجل عنهم: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) (الجنّ: ١٤ - ١٥).

"وَ (الْمُسْلِمُونَ) الذين قد خضعوا لله بالطاعة، وَ (الْقَاسِطُونَ) الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل". (٢)

وقد ثبت عند مسلم منْ حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ". (٣)

وهم مع إسلامهم متفاوتون في صلاحهم، كما قال تعالى في السورة نفسها: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) (الجن: ١١).


(١) -تفسير القاسمي: (٦/ ١٣٠). محاسن التأويل المؤلف: محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي (المتوفى: ١٣٣٢ هـ) المحقق: محمد باسل عيون السود الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى - ١٤١٨ هـ.
(٢) - تفسير الطبري: (٢٣/ ٦٦١).
(٣) - صحيح مسلم رقم ٥٩٧٦ (ج ٧/ ص ٤٠) باب قتل الحية وغيرها. وصفة الإذن والتحريج نسألكم بالله أن لا تؤذنا، ولا تظهروا لنا فإن ظهر بعد ثلاثة أيام فهو شيطان أي كافر لم يسلم فيقتل.
وللاستزادة: انظر: (الأربعين المدنية).

<<  <   >  >>