إلى العباد نازل، وشرهم إليه صاعد، لأن طبيعة الجحود، والنكران، والجفاء، وكفران النعم، غالبة على النفوس البشرية، إلا ما رحم ربي، قال تعالى … {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (١٣)} {سبأ: ١٣}.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)(١).
فلا تُصدم يا أخي إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وجحدوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين، لا لشيء، إلا لأنك أحسنت إليهم {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ}{التوبة: ٧٤}.
فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وطالع سجل العالم المشهود، وقلب صفحات التاريخ، فإذا في فصوله قصة أبٍ ربَّى ابنه، وغذاه وكساه، وأطعمه، وسقاه، وأدبه، وعلمه، وسهر لينام، وجاع ليشبع، وتعب ليرتاح، فلما طرَّ شارب هذا الابن، وقوي ساعده، أصبح لوالده كالكلب العقور، استخفافاً، ازدراءً، مقتاً، عقوقاً صارخاً، عذاباً وبيلاً، اللهم سلِّم سلم، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، حقاً نحن في زمن العقوق، وجفاف المشاعر، ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر، ومحطمي الإرادات، وليهنأوا بعِوض المثوبة عند من لا تنفد خزائنه.
(١) رواه أحمد، وأبو داود، وابن حبان، عن أبي هريرة، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٧٧١٩).