قلت: لقد شاعت وذاعت وانتشرت في عصرنا هذا، هذه القصيدة، المتهافتة المعاني والمباني، وأصبح الشباب يتندَّرون بها في المجالس والمناسبات والأفراح، ويتفكهون بها في المحافل والرحلات ويعطون الجوائز والعطايا لمن حفظها، وأصبح من يحفظ هذه القصيدة نجماً لامعاً، وبدراً ساطعاً، يُشار إليه بالبنان ربما أكثر ممن يحفظ القرآن والمتون العلمية نظماً ونثراً.
وهذه القصيدة منسوبة للإمام الجليل الأصمعي عبد الملك بن قريب -رحمه الله-، وقد صنعت لهذه القصيدة قصة أكثر تهافتاً من القصيدة.
وخلاصة هذه القصة: أن أبا جعفر المنصور كان يحفظ الشعر من مرة واحدة، وله مملوك يحفظه من مرتين وجارية تحفظه من ثلاث مرات، فكان إذا جاء شاعر بقصيدة يمدح أبا جعفر بها حفظها أبو جعفر من أول مرة ولو كانت ألف بيت!! ثم يقول له: إن القصيدة ليست لك وهاك اسمعها مني، فأنا أحفظها من قبل ثم ينشدها كاملة، ثم يردف قائلاً: وهذا المملوك يحفظها أيضاً، وقد سمعها المملوك مرتين، مرة من الشاعر ومرة من الخليفة فينشدها، ثم يقول الخليفة: وهذه الجارية تحفظها كذلك، وقد سمعتها الجارية ثلاث مرات، فتنشدها فيخرج الشاعر مُكَذَّباً مُتَهَماً.