ومن المشهور في أرض المغرب أن السلطان بلغه أن امرأة لها حديقة فيها القصب الحلو، وأن القصبة الواحدة منها تعصر قدحاً، فعزم على أخذها منها، ثم أتاها وسألها عن ذلك فقالت: نعم، ثم إنها عصرت قصبة فلم تعصر نصف قدح. فقال لها: أين الذي كان يُقال؟ فقالت: هو الذي بلغك، إلا أن يكون السلطان عزم على أخذها مني فارتفعت البركة منها، فتاب السلطان وأخلص نيته لله تعالى ألا يأخذها أبداً، ثم أمرها فعصرت قصبة فجاءت ملء قدح.
قال صاحب سراج الملوك: وشهدت أنا بالإسكندرية، والصيد بالخليج مطلق للرعية، والسمك فيه يغلب الماء كثرة، ويصيده الأطفال بالخرق، ثم حجره الوالي ومنع الناس من صيده، فذهب السمك حتى لا تكاد توجد منه إلا الواحده بعد الواحده إلى يومنا هذا.
قال: وهكذا تتعدى سرائر الملوك وعزائمهم ومكنون ضمائرهم إلى الرعية، إن خير فخير، وإن شر فشر.
قال: وروى أصحاب التواريخ في كتبهم أن الناس كانوا إذا أصبحوا في أيام الحجاج يتساءلون من قتل البارحة؟ ومن صلب؟ ومن جلد؟ ومن قطع؟ وأمثال ذلك.
وكان الوليد صاحب ضياع واتخذ مصانع، فكان الناس يتساءلون في زمانه عن البنيان، والمصانع، والضياع، وشق الأنهار، وغرس الأشجار.