أن خشوع الإيمان: هو خشوع القلب لله بالتعظيم، والإجلال، والوقار، والمهابة، والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء، وشهود نعم الله، وجناياته هو، فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح.
وأما خشوع النفاق: فيبدو على الجوارح تصنعاً وتكلفاً والقلب غير خاشع، وكان بعض الصحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق، قيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن يرى الجسد خاشعاً والقلب غير خاشع، فالخاشع لله عبد قد خمدت نيران شهوته، وسكن دخانها عن صدره، فانجلى الصدر، وأشرق فيه نور العظمة، فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي حشي به، وخمدت الجوارح، وتوقر القلب واطمأن إلى الله، وذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه، فصار مخبتاً له، (والمخبت: المطمئن)، فإن الخبت من الأرض ما اطمأن فاستنقع فيه الماء، فكذلك القلب المخبت قد خشع واطمأن كالبقعة المطمئنة من الأرض التي يجري إليها الماء فيستقر فيها، وعلامته أن يسجد بين يدي ربه إجلالاً وذلاً وانكساراً بين يديه، سجدة لا يرفع رأسه عنها حتى يلقاه، وأما القلب المتكبر فإنه قد اهتز بتكبره وربا فهو كبقعة رابية من الأرض لا يستقر عليها الماء، فهذا خشوع الإيمان وأما التماوت وخشوع النفاق فهو حال عند تكلف إسكان الجوارح تصنعاً ومراءاة، ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات وإرادات، فهو يخشع في الظاهر وحية الوادي وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة.