ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على مشروعية كتابة الدين وتوثيقه.
قال الإمام ابن العربي المالكي: [قوله تعالى: (فَاكْتُبُوهُ) يريد أن يكون صكاً ليستذكر به عند أجله لما يتوقع من الغفلة في المدة التي بين المعاملة وبين حلول الأجل والنسيان موكل بالإنسان والشيطان ربما حمل على الإنكار والعوارض من موت وغيره تطرأ فشُرِع الكتاب والإشهاد] أحكام القرآن ١/ ٢٤٧.
ومما يرشد إلى مشروعية كتابة العقود وتوثيقها ما جاء في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:(ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) رواه البخاري ومسلم.
وقد روى الترمذي بإسناده عن عبد المجيد بن وهب قال:(قال لي العداء بن خالد بن هوذة: ألا أقرئك كتاباً كتبه لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: قلت بلى، فأخرج لي كتاباً: هذا ما اشترى العداء ابن خالد بن هوذة من محمد - صلى الله عليه وسلم - اشترى منه عبداً أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم) رواه الترمذي وحسّنه ورواه ابن ماجة ورواه البخاري تعليقاً وقال الشيخ الألباني: حسن. سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي ٥/ ١٧٦، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ٥/ ٢١٣، صحيح سنن الترمذي ٢/ ٥.
وبناءً على هذه الأدلة قال جمهور أهل العلم إن كتابة الدين وتوثيقه أمر مندوب إليه وقال بعض العلماء بوجوب ذلك أخذاً بظاهر الآية وهو قول وجيه له حظ من النظر وينبغي حمل الناس عليه في هذا الزمان قطعاً لأكل حقوق الآخرين بالباطل وسداً لأبواب النزاع والخصومات ولما نرى في مجتمعنا من نزاع وشقاق وخلاف بسبب عدم توثيق الديون والعقود وكتابتها فكم من المنازعات حدثت بين المؤجر والمستأجر بسبب عدم كتابة عقد الإجارة وكم من خصومات حصلت بين الشركاء لاختلافهم في قضية ما ويعود ذلك لعدم كتابة اتفاق الشراكة وهكذا الحال في كل المعاملات التي لم توثق.